تفسير قوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا)
الشيخ: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: ١٤].
هؤلاء القبائل من البدو والأعراب جاءوا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام يريدون حقن دمائهم وحفظ أموالهم، فقالوا: آمنا، فكذبهم الله وقال لهم: لا تقولوا: آمنا، ولكن قولوا: أسلمنا، أي: استسلمنا لك يا رسول الله، فلا تحاربنا محاربة الأعداء، ولا تأخذ منا أموالنا غنائم، وكان ذلك قولاً قالوه، وإلا فالإيمان الذي هو التصديق بالجنان لما يدخل بعد في قلوبهم، كما قال عليه الصلاة والسلام عن الشاعر اللبيب عندما سمع شعره: (آمن لسانه وكفر قلبه) أي: قال باللسان ما لم يعتقد بالجنان.
فهؤلاء الأعراب جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا منافقين، فقالوا: أسلمنا وهم لم يؤمنوا بعد، ولم يصدقوا، كما قال جمهور المفسرين.
وقيل: أسلموا صادقين، ولكن الإيمان والتصديق لم يدخل القلوب بعد، فلم يعرفوا له معنى ولم يتخلقوا بأخلاقه، فالله نبههم وحذرهم من أن يستمر ذلك فيهم.
وفي حديث جبريل أنه سأل رسول الله ﷺ عن الإسلام، ثم سأله عن الإيمان، ثم سأله عن الإحسان، فجعل الإيمان غير الإسلام، فالإيمان: التصديق بالقلب، والإسلام: العمل بالجوارح، وهو الاستسلام لأوامر الله ورسوله من صلاة وزكاة وصيام وحج، وترك المنكرات ظاهرها وباطنها، وفعل الصالحات ظاهرها وباطنها.
أما الإيمان: فهو التصديق بالقلب، أن يكون القلب مصادقاً للسان فيما يقوله، وعندما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله يكون قد آمن قلبه بأن كل من جعلت له الإلهية من بشر أو جن أو ملائكة أو حجر فإلهيته باطلة، فلا إله بحق ولا معبود بحق إلا الله جل جلاله.
قال تعالى: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا﴾ [الحجرات: ١٤]، أي: قلتم آمنا، ولم تؤمنوا ﴿وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات: ١٤]، أي: جئنا مستسلمين حقناً لدمائنا وحفظاً لأموالنا.
قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: ١٤]، (لما) نافية، أي: لم يحدث ذلك بعد، فإنما أسلم منكم اللسان ونطق بالشهادتين، أما الإيمان الذي هو التصديق بالجنان ومصادقة القلب لما يقوله اللسان فلم يحدث منكم بعد.
قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا﴾ [الحجرات: ١٤].
أي: إن أنتم أخلصتم في الطاعة لله فيما به أمر وعنه نهى، وأطعتم رسول الله ﷺ فيما به أمر وعنه نهى بإخلاص ﴿لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا﴾ [الحجرات: ١٤]، أي: لا ينقصكم من أجوركم وأعمالكم شيئاً، بل يزيدكم الحسنة بعشرة أمثالها إلى أضعاف مضاعفة مما يشاء الله جل جلاله.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: ١٤] فالله يغفر لمن استغفره ويرحم من تاب إليه وأناب وعاد إلى الصراط المستقيم.


الصفحة التالية
Icon