تفسير قوله تعالى: (فلنأتينك بسحر مثله)
قوله: ﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ﴾ [طه: ٥٨].
اللام هنا لام القسم، ثم أكد القسم بنون التوكيد الثقيلة، فيحلف فرعون بما يحلف به، ولعله يحلف بنفسه.
﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ﴾ [طه: ٥٨] أي: سنأتي نحن كذلك بسحرنا ونرى من الغالب ومن المغلوب، وهل كل هؤلاء السحرة رسل وأنبياء؟! فما أنت إلا ساحر منهم، ولعلك كنت كبيرهم وشيخهم! أي: فالسحر مثل ما أتيت به من معجزات ورسالات ونبوءات، فشبه النور بالظلمة، والهداية بالضلالة، والكفر بالإيمان، وهذا شأن الكافرين قديماً وحديثاً.
ثم عاد فطلب منه: ﴿فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى﴾ [طه: ٥٨].
أي: نحن نعلم أنك ساحر ماهر، وبالسحر تريد أن تخرجنا من أرضنا وتمتلكها، وها نحن سنأتيك بسحر كسحرك، فاضرب معنا موعداً لذلك لتراه بعينك.
وذاك ليخزيه الله ويكسفه على رءوس الخلائق، وليميز قبل غيره بين السحر والوحي، وبين المعجزات والخزعبلات.
والموعد مصدر واسم مكان الوعد والاجتماع الذي يتواعد فيه، وبكل ذلك يصح التفسير.
﴿لا نُخْلِفُهُ﴾ [طه: ٥٨] أي: لا نتجاوزه، ولا نخرج عنه.
﴿مَكَانًا سُوًى﴾ [طه: ٥٨] أي: حال كون الموعد مكاناً سواء، بيناً مستوياً لا تلال فيه ولا كدى، مبسوطاً مسطحاً قريباً منا ومنك بحيث إذا حضرته الخلائق يرون جميعاً ما سيحصل من فعلك وفعل السحرة، ليحكموا عن رؤية لا يحجبهم عنها جبل ولا شجر ولا حائط.
يقال: سُوى وسِوى وسواء، والمعنى واحد، مثل: طُوى وطِوى بكسر السين وضمها مقصوراً، فإذا فتحت السين فلا بد من المد، يقال: سواء، أي: المكان الذي للموعد يكون أرضاً مستوية قريبة منا ومنك لا تبعد عنا ولا تبعد عنك، وتكون ظاهرة وواضحة يستطيع أن يرى فيها الرائي والحاضر كل ما يحدث فيها من سحرك وسحرنا.
هكذا يريد فرعون، وإذا بموسى يجيبه لذلك، وقد طلب مهلة أربعين يوماً ليجمع مكره وحيله وسحرته، فوافقه موسى على الموعد والزمن.