تفسير قوله تعالى: (فتولى فرعون فجمع كيده)
قال تعالى: ﴿فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى﴾ [طه: ٦٠].
ذهب فرعون فشرع في جمع كيده، فجمع سحرته وجمع ضلاله، وجمع الأفاكين، وجمع المشعوذين والضالين ليحضروا في اليوم الذي عينه موسى، وليكون نصره -كما توهم- على رءوس الخلائق ليعلموا أنه هو الصادق، هكذا توهم وهكذا أوحى له شيطانه.
فتولى فرعون فجمع كيده الذي ظن أنه سيكيد به موسى وهارون وأتباعهما.
قوله: ﴿ثُمَّ أَتَى﴾ [طه: ٦٠].
أي: أتى الموعد، فأتى فرعون ليحضر يوم الموعد، ونُصب له كرسي عال وجاءه سحرته يتمنون عليه الأماني إذا هم انتصروا ماذا سيكون جزاؤهم ومكافأتهم، ووعدهم بأنهم سيكونون من المقربين مع ما سيأخذونه من مال وجاه ومناصب.
فتولى: ذهب، والفاء للتفريع وللعطف المتقارب نسبياً، كان قد تم له جمع كيده وسحره وشعوذته، قيل: جمع اثنين وسبعين ساحراً مع كل ساحر عصي وحبال.
وقيل: بل أربعمائة.
وقال كعب الأحبار: اثنا عشر ألفاً.
وقيل: آلاف لا تكاد تعد ولا تحصى.
جاء كل واحد ومعه عصي وليست عصا واحدة، وحبال وليس حبلاً واحداً؛ ليقذفوها أمام موسى ليرهبوه وليرعبوه وليوهموه أن ما أتى به من آيات ومعجزات هم أيضاً يفعلون مثل ذلك.
أتى فرعون يرأس حفله ومواكب شعوذته وسحره، ونصب له كرسي بحيث يرى الناس كلهم ويرونه، فعندما جاء وإذا بموسى نبي الله قد حضر فلم يخلف الموعد، وحضرت خلائق مصر إذ ذاك كلها بحيث ضاقت بهم الأرض، فلا يكاد يرى الناس على مد البصر إلا خلقاً، وبينهم السحرة المشعوذون، واصطفوا صفاً واحداً.
وفي الجانب المقابل رسول الله موسى وأخوه هارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، وإذا بموسى وهو نبي الله، وهو الداعية إلى الله، ولا يليق بنبي أن يحضر محضراً كهذا كله ظلمة وضلال وكفر إلا ويبتدئه بكلمة يدعو فيها إلى الله، ويحذر هؤلاء من الكذب والضلال ويحضهم على الصدق والإيمان.


الصفحة التالية
Icon