تفسير قوله تعالى: (قال لهم موسى ويلكم)
سكت موسى أولاً وقد تم الجمع، فلا تسمع بينهم إلا همساً، فكل كلمة تقال تسمعها الآذان وتسجلها القلوب والأفئدة، وترى الحواس كلها مشرئبة لترى من المنتصر ومن المنهزم.
وإذا بموسى في مثل هذا الوقت يقول لهم: ﴿وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [طه: ٦١] دعا عليهم بالويل، والويل هو النهر من قيح وصديد في جهنم.
أي: يا ويلكم يا هؤلاء السحرة ويا مصيبتكم إذا بقيتم على الكذب على أنفسكم وعلى الناس، فالويل في جهنم ينتظركم.
والخطاب للسحرة ولمن جاء، وهو فرعون وهامان.
قال تعالى: ﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾ [طه: ٦١].
﴿لا تَفْتَرُوا﴾ [طه: ٦١] لا تكذبوا، ولا تخترعوا القول عن غير وجود ثابت.
﴿لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [طه: ٦١] لا تسحروا الناس وتوهموهم باطلاً حقيقة، وتزعموا الحق باطلاً والباطل حقاً.
﴿فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾ [طه: ٦١] فيسحقكم بعذابه ويستأصلكم، فيذهب فرعون وقومه في الأمم البائدة المنتهية كما حدث من بعد.
وقيل: ﴿فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾ [طه: ٦١] أي: يمكن منكم أعداءكم فيقتلون ويشردون ويصادرون ويستعبدون، ثم يمحقكم في النار كلما نضجت جلودكم بدلناها جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب.
﴿وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾ [طه: ٦١] ليس للمفتري وللكاذب إلا الخيبة والرجوع بخفي حنين، أي: بالهزيمة الساحقة، وبالذل والهوان على رءوس الملأ ورءوس الخلائق.
فموسى نبي الله ما أراد أن يبدأ عمله ويلقي عصاه إلا بعد أن ينصحهم ويدعوهم إلى الله، فإن أبوا فيكون ذلك عن علم، فيسحتون ويسحقون بالعذاب.
وقرئ في السبع: (يسحتكم) ثلاثي ورباعي، والمعنى واحد، والسحت السحق والاستئصال.
أي: يأتي عليهم من أصولهم بحيث لا يبقى أصل ولا فرع، فإذا ذهب من الشجرة أصلها واجتث ماتت فروعها وذبلت، وهكذا إذا قتل الرجال وقتل النساء واستعبد الأولاد فالنهاية الاستئصال والإبادة الكاملة، فهذا الذي حدث لهم بعد ذلك.


الصفحة التالية
Icon