تفسير قوله تعالى: (قل آمنتم له قبل أن آذن لكم)
قال تعالى: ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾ [طه: ٧١].
جاء فرعون للتهديد والوعيد والإنذار بالهلاك والتقتيل والتعذيب، ومع كل ما صنع تحداه هؤلاء الصالحون التائبون.
قال لهم فرعون: ﴿آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾ [طه: ٧١] يستفهم في استنكار: كيف آمنتم به وصدقتموه: ﴿قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾ [طه: ٧١]، وكأن الإيمان بالله ينتظر إذناً من أحد، عظيماً كان أو حقيراً، كبيراً أو صغيراً، ذكراً أو أنثى.
ولكن كان قد فصل بينهم وبينه الحق والنور فلم يعد له مكان في قلوبهم وليصنع ما يصنع.
ثم عاد فأنذر وهدد: ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ﴾ [طه: ٧١] وكان يكفي أن يقول: فلأقطع؛ لكنه يؤكد ويقسم بنفسه وبوثنيته، واللام هي التي تدل على القسم، فيؤكد ذلك بنون التوكيد الثقيلة، ويقسم بأنه سيقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أي: يقطع يداً يمنى ورجلاً يسرى، أو يداً يسرى ورجلاً يمنى.
﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١].
أي: وبعد أن يفعل ذلك بهم ودماؤهم تنزف لا يوقفها، بل يصلبهم أحياءً على جذوع النخل، أي: على سيقانها وأعوادها ودمهم ينزف حتى الموت.
والجذوع جمع جذع، وهو أصل النخلة وعودها التي تقوم عليه.
﴿وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾ [طه: ٧١] أيضاً يقسم لهم ليعلمن من أشد عذاباً وأبقى، أي: من شديد العذاب أنا أو رب موسى؟ فهو يتحدى الله، وقد لقي جزاءه.
قوله: (وأبقى) أي: أدوم، أي: هذا العذاب يبقى في التاريخ، ولقد علم هؤلاء الشهداء كما علمنا نحن ومن سبقنا ومن يأتي بعدنا أن الله أشد عذاباً، وأبقى وأخلد.
وقد مات فرعون غريقاً كافراً وشرد وأخرج من أرضه ذليلاً حقيراً، وانتصر الحق وخذل الباطل.
قالوا: ولم يسبق أن عذب أحد إنساناً بهذا بأن قطع منه رجلاً ويداً من خلاف.