تفسير قوله تعالى: (قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس)
قال تعالى: ﴿قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ﴾ [طه: ٩٧].
أي: ابتعد واعتزل، وليبتعد الناس عنك وليعتزلوك.
وقد استوحش وأصبح في الصحاري، وكأنه الحيوان الوحشي لا يألف ولا يؤلف، فإذا رأى إنساناً بعيداً صاح وفر.
قال له موسى: ﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ﴾ [طه: ٩٧]: أي: لك موعد من ربك في عقوبتك وفي عذابك يوم القيامة لن تخلفه، ولن يتخلف هذا الموعد عنك ولا عن كل مذنب يوم الحساب والعقاب والعرض على الله.
وهكذا أنذره موسى بعد أن عاقبه عقوبة الدنيا التي يملك، وترك عقوبة الله التي لا يملكها غيره، فله موعد من الله يوم القيامة لن يخلفه.
ثم قال له: ﴿وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا﴾ [طه: ٩٧]: ثم انظر إلى هذا العجل الذي زعمته إلهاً ماذا سنصنع به؟ والذي صنع أنه حرقه وأذابه وعاد به إلى أصله، ثم برده إلى أن أصبح برادة كالنخالة، وجاء في يوم عاصف إلى شاطئ البحر فنفثه ونسفه إلى أن تشتت في الهواء.
﴿الَّذِي ظَلْتَ﴾ [طه: ٩٧] أي: ظللت، حذفت إحدى اللامين للتخفيف، وهي من بلاغة القرآن الكريم، يقال: ظل فلان يومه يصنع، أي: اليوم كله، وكان ذلك عمله.
ومعنى ﴿ظَلْتَ عَلَيْهِ﴾ [طه: ٩٧]: دمت على عبادته وزعمت أنه إله، فانظر ماذا سنصنع به؟ ثم أقسم موسى: (لنحرقنه) واللام هنا لام موطئة للقسم، وأكدت بنون التوكيد الثقيلة.
وكان التحريق لهذا الذهب والمعدن بأن يذاب إلى أن يعود لأصله، ثم يبرد.
﴿ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ﴾ [طه: ٩٧] النسف: الذر والتشتيت في الهواء، كمن يأتي إلى نخالة دقيق أو تراب فينفخه، فيبعثر ويذر على مختلف النواحي.
﴿ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ﴾ [طه: ٩٧] واليم هو البحر.