تفسير قوله تعالى: (ومن أعرض عن ذكري)
قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: ١٢٤].
من أعرض عن كتاب الله وهو الذكر الذي يذكر الإنسان بربه بمعاشه ومعاده، وعن رسل الله الذين جاءوا ليذكروا الخلق بالله؛ فله معيشة ضنك.
والذكر يطلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويطلق على القرآن الكريم، فالقرآن مذكر، والرسول ﷺ مذكر.
قوله: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ [طه: ١٢٤]: من عاش مكذباً فإن الله جل جلاله يشقي حياته في الدنيا حتى ولو ملك الدنيا بمن فيها وما عليها، فسيشقى نفسياً، وسيشقى بأكل الحرام، وسيشقى بالأمراض، وسيشقى بالضلال، وسيعيش عيشة ضنكاً.
والضنك هنا: الشقاء والعذاب والمحنة، ونحن نرى هؤلاء الأغنياء من الكفار وهؤلاء الكفار من الفقراء كيف يكثر بينهم الانتحار ويكثر بينهم الغم والهم، وكيف أنهم يعيشون سكارى حشاشين يعيشون بأكل الربا يعيشون بأكل السحت يعيشون بأكل الرشا يعيشون بأكل الحرام يأكلون حتى يمرضون فيعذبونه بعد ذلك بالأكل، ويأكلون بالحمية ولا يكادون يستسيغون شيئاً مع الهموم النفسية والغموم.
وكذلك من اقتدى بهم ممن يصف نفسه بالإسلام عندما يستبيح الربا عندما يستبيح الرشا عندما يستبيح الأموال بالباطل سرقة واغتصاباً وتحايلاً عندما يرتكب من أنواع الحرام ما حرم ربه عليه ونزل الوحي في كتبه بتحريم ذلك.
فتجد الذي صنع ذلك بالأصالة كافراً يعيش عيشة ضنكاً ولو كان غنياً يملك الدنيا وما عليها فنفسه في محنة، ونفسه في عذاب، وجسده كله أمراض وكله بلاء لا يكاد يجد شيئاً يرجع إليه مما يطمئن نفسه من يقين ومن إيمان ومن عودة إلى الله؛ لأنه لا يؤمن بالله.
وهكذا تكون عيشة الضالين من عصاة المسلمين، هم يعلمون أن الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وإذا بهم يمعنون في ارتكابها، فتجد عيشتهم كعيشة اليهود والنصارى، عيشة شقية ضنكاً شقية بأكل السحت والحرام حتى ولو ملكوا ما عسى أن يملكوه.
ونحن نرى المؤمن الفقير يعيش في راحة فيما إذا كان ملتزماً بطاعة ربه ولو لم يملك إلا قوت يومه، ونجد الذي يدعي الإسلام وهو من أغنى الناس عندما يرتكب الحرام تكون حياته مثل حياة الكافرين والجاحدين.