تفسير قوله تعالى: (ولو أنا أهلكناهم بعذاب)
قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى﴾ [طه: ١٣٤].
أي: ولو أنا قضينا عليهم في الدنيا قبل الآخرة لجاءوا يوم القيامة وقالوا: يا ربنا أهلكتنا قبل إنذارنا، وقبل إرسال هذا الكتاب، وهاهم ينكرونه وقت نزوله، وكانوا قبل نزول القرآن عليهم يقولون: لولا أرسلت إلينا رسولاً يأتي بكتاب يدعونا ويهدينا، ويبشرنا وينذرنا، ويبعدنا عن شرنا في معاشنا ومعادنا.
ولكن الحجة البالغة لله؛ فلم يترك لهم أن يقولوا هذا، ففي دار الدنيا أرسل رسلاً مبشرين ومنذرين، منذ آدم وبعده نوح فإدريس فإبراهيم، فسلالة إبراهيم إسماعيل وإسحاق وهكذا إلى خاتمهم نبينا عليه الصلاة والسلام، فلم تبق حجة لأحد أن يقول يوم القيامة: لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك.
قوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى﴾ [طه: ١٣٤].
أي: قبل أن نذل في الدنيا بنعت الكفر والشرك والجحود والعصيان والعيشة الضنك، وأن نخزى يوم القيامة بعذاب الله وبناره وبلعنته وطرده من رحمته، ولكن هذا لم يدعهم الله يقولون، فقد أرسل لهم الرسل والأنبياء قال الله: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: ٢٤].
وكان الأنبياء يبعثون إلى أقوامهم خاصة، وعندما ارتقت العقول البشرية أكرمها الله بأن أرسل لها خير الأديان وخاتم الأنبياء وسيد الرسل نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، وجعله الرسول الخاتم لمن سبقه، فلا كتاب بعده ولا رسالة ولا نبوءة.
فالكل أصبح ملزماً بأن يؤمن به وبما جاء به عن الله، فمن دفن في قبره وأتاه الملكان منكر ونكير وهما يقولان له: من ربك من نبيك ما دينك؟ لن يستطيع أن يجيب ويقول: لا أعلم، ولم يبق أحد على وجه الأرض في عصرنا هذا وقبله بأزمان لم يسمع بأن هناك نبياً ظهر في البلاد العربية، وكانت رسالته عامة شاملة خالدة إلى يوم القيامة.


الصفحة التالية
Icon