تفسير قوله تعالى: (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة)
ثم عاد الله جل جلاله فأنذر -وهو هكذا بين بشارة ونذارة، وبين وعد ووعيد، بين تبشير بالجنة والرحمة، وتيئيس منها لمن مات ولم يؤمن- فقال تعالى: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ [الأنبياء: ١١].
(قصمنا) أي: كسرنا، دمرنا، أهلكنا.
وأصل القصم الكسر.
(وكم) للتكثير.
و (من) للتعميم في هذه الكثرة، وإن كان النحاة يقولون عنها: زائدة، وفي القرآن صلة، ولكن في المعنى واللغة والبلاغة هي ذات معنى كبير، أي: تعم وتشمل ما ذكر بعدها من نفي أو إثبات، فقوله: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ﴾ [الأنبياء: ١١]، أي: دمرنا وأهلكنا قرى كثيرة (كانت ظالمة)، أي: كانت مشركة صنعت مع أنبيائها ورسلها ما يصنع اليوم قريش، وما يصنعه كل كافر في عصره عليه الصلاة والسلام، ومن بعد عصره إلى يوم القيامة ممن أصر على الكفر حتى الموت.
ومعنى ذلك: التهديد والوعيد، أي: كما فعلنا ذلك بالأولين الظالمين، لا نزال كما كنا، لو شئنا لقصمناكم ودمرناكم، ولكن نمهل ولا نهمل، ونرجئكم علكم تعودون وتتوبون، وإن كانت النهاية ستكون تدميرهم وقصمهم وكسرهم إذا لم يؤمن منهم من يؤمن.
قال تعالى: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ [الأنبياء: ١١] أي: كما أنشأنا من بعد أولئك أقواماً وعشائر، أرسلنا كذلك لهم رسلاً مبشرين ومنذرين، ولم يحدث شيء في الأرض، لا انهدت سماء، ولا سقطت أرض، ولا بكت على ظالم مشرك لقي جزاءه وفاقاً.
﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ [الأنبياء: ١١] أي: بعد إهلاك هذه القرية أنشأنا أمماً وشعوباً آخرين، فورثوا أرضهم، وحلوا مساكنهم.