تفسير قوله تعالى: (فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون)
قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ﴾ [الأنبياء: ١٢].
يذكر الله عن هؤلاء الظالمين، الذين بادرهم بالعقوبة بالدنيا قبل الآخرة: أنهم لما شعروا بالعذاب بواسطة الحس، وبنظر العين، وسماع الأذن إذا بهم يفرون من قراهم بعد أن جعل الله عاليها سافلها، وبعد أن أغرقهم، وبعد أن ضربهم بالقوارع من السماء، وبالزلازل من الأرض.
قال تعالى: ﴿لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ١٣].
يأمر الله ملائكته أن يقولوا لهم ذلك ساخرين منهم جزاءً وفاقاً لما كانوا يسخرون بأنبيائهم حالة الاطمئنان والحياة المترفة.
(لا تركضوا) أي: لا تفروا، وإلى أين الفرار؟! ﴿لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ﴾ [الأنبياء: ١٣] وارجعوا إلى الترف الذي عشتم فيه بالحرام، والفساد، والظلم، وبالاعتداء على الأعراض والأموال، وبسفك الدماء، ارجعوا إلى هذا الترف الذي عشتم فيه.
﴿وَمَسَاكِنِكُمْ﴾ [الأنبياء: ١٣] أي: إلى قصوركم ودوركم، وما اعتدتموه من ترف وجبروت وكبرياء لعلكم تسألون، ربما سألتم عن ذلك، وربما طلب منكم بعض ذلك، ولكن هيهات! أين الفرار بعد نزول البلاء والبأس من الله؟ لا فرار منه إلا إليه، ولا منجى منه إلا إليه، ولكن في مثل هذه الساعة عند حلول النقمة، وبلوغ الروح إلى الحلقوم، لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، حلت العقوبة، وحلت لعنة الله، ولا مفر بعد ذلك من عقاب الله.
قال تعالى: ﴿لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ﴾ [الأنبياء: ١٣] ارجعوا للترف والقصور التي طالما تعاليتم على الناس بها، واستكبرتم وتجبرتم، ارجعوا لها إن استطعتم، وهيهات ولات حين مندم! ولات حين عودة ورجوع.
(لعلكم تسألون) أي: عن ذلك، ولعلكم تعودون لما طلب منكم، ولكن هيهات! الوقت كالسيف إذا لم تقطعه قطعك.