تفسير قوله تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه)
قال تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ﴾ [الأنبياء: ١٨].
(بل) كلمة إضراب في لغة العرب، أي: اضربوا عن كل ما قيل منذ نقل الله وحكى قول الكافرين عن النبي عليه الصلاة والسلام: كيف يكون نبياً وهو بشر؟! ثم أخذوا يتهافتون ويسقط بعض على بعض بالهراء والصخب: إذا لم يكن نبياً فما هو؟ قالوا: رؤى ومنامات وخرافات، ثم قالوا: (افتراه) ثم قالوا بعد ذلك: بل هو شاعر.
ثم ذهبوا في ظلمهم وعتوهم إلى أن بلغوا الذات العلية، ونسبوا له الولد، والصاحبة، فأنذر الله وأوعد، ثم أضرب عن كل ذلك، قال: (بل) أي: هذا كله اضربو عنه؛ فهو هراء في هراء، وما وعدناه هو أن نكشف حقائقهم لمن لم يعلم بعد، ولمن عاصر النبي ﷺ في الرسالة، ولمن يأتي بعده: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ١٨].
والحق: الله حق، ووعده الحق، وكتابه الحق، ونبيه حق، وما جاء من بعثته ومن جنة ومن نار، ومن حساب ومن عقاب، كل ذلك حق لا يشك فيه مسلم، والله يقذف بالحق على الباطل ويدمره.
وما الباطل إلا كل ما جاء به هؤلاء الظلمة المشركون مما لم ينزل الله به من سلطان، ومما جعلوه على النبي عليه الصلاة والسلام كذباً وباطلاً وبهتاناً، ومما جعلوه على الذات العلية جهلاً بألوهيته وبوحدانيته، فالله يقذف بالحق، والحق هنا: الدليل والبرهان القاطع من كتاب الله، ومن سنة الرسول الله عليه الصلاة والسلام.
(بل نقذف) بل نرمي ونطرح، نضرب بالحق الباطل، وكل ما ليس في كتاب الله ولم يأتِ في حديث رسول الله، ولم تقره العقول السليمة فهو باطل وهراء، لا ظل له من حقيقة، ولا واقع له من أمر.
(فيدمغه) أصل الدمغ: الضرب حتى تصل الضربة إلى الدماغ، فتكون مهلكة وقاضية، وهكذا يقول الله في كتابه، ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ﴾ [الأنبياء: ١٨] فيهلكه ويصيب منه الدماغ؛ فيهلكه ويدمره إلى أن يذهب وكأنه لم يكن، ولم يبقَ إلا ذكراً في صحائف، وقصصاً تتلى وتقص في ليالي السمر.
ثم عاد فأنذرهم وتوعدهم بأن لهم الويل، أي: لهم جنهم، وويل: وادٍ في جنهم يجري فيه صديد ودماء المعذبين من أهل النار! (مما تصفون) مما تنعتون به أنبياءكم، وربكم الواحد جل جلاله، وعلت رفعته.


الصفحة التالية
Icon