تفسير قوله تعالى: (أم اتخذوا من دونه آلهة)
ثم عاب الله فقال موبخاً ومقرعاً من اتخذ معه غيره: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾ [الأنبياء: ٢٤].
وهذا استفهام تقريعي توبيخي أي: أمع كل ما علمتم ودريتم أنا ما تشركون من دون الله لا يضر ولا ينفع، لا يسمع ولا يعقل، فأنتم لفساد عقولكم، ولكفركم وجحودكم تتخذون ما لا يضر ولا ينفع إلهاً وشريكاً مع النافع والضار، مع الخالق والرازق المدبر، جل جلاله وتوحد سلطانه.
قال تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾ [الأنبياء: ٢٤] أم اتخذوا من دون الله آلهة يعبدونهم، ويشركونهم في عبادتهم لله، هذا الذي صنعوه أعندهم عليه دليل أم سلطان من الله: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٢٤]، قل يا محمد لهؤلاء المشركين الجاحدين: هل لكم من الله برهان ودين من كتاب سماوي سابق، أو من نبي مرسل أو من دليل عقلي: أن لله جل جلاله شريكاً في ملكه تعالى الله عما يقول الظالمون؟ لا نشهد شهادة الباطل، بل نشهد أن الله واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، وهو الخالق الرازق المدبر.
((هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ)) هذا القرآن كتاب الله، هذا الكتاب المسمى الذكر لتذكير الخلق بالله، ولتذكير الخلق برسول الله عبداً نبياً، وبأن يفكروا ويتدبروا ويعوا ويعقلوا، من خالق السماوات؟ من خالق الأرض؟ من الرازق؟ من المحيي من المميت؟ (هذا ذكر من معي) هذا القرآن كتاب الله، الذي أرسلت به إليكم أيها الناس، مشارق ومغارب، عرباً وعجماً، ذكر من معي من الخلق ممن آمن بي، وآمن معي، وتبع ما أرسلت به، وعمل بما فيه حلالاً وحراماً وعقائد: ﴿هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي﴾ [الأنبياء: ٢٤] هذه الكتب السماوية السابقة التي ذكر بها الأولون في كتب الله المنزلة على إبراهيم، وعلى داود وعلى موسى وعيسى.
انظروا هل تجدون في هذه الكتب: المنزلة عليّ ليتذكر من معي، والمنزلة على من قبلي ليتذكر من معهم، هل فيها أن لله شريكاً؟ هل فيها أن لله معيناً؟ أليس فيها أن الله واحد لا شريك له؟ إذاً: هؤلاء من النصارى واليهود، ومن المجوس والملاحدة والمعطلة، هذا الذي يشركوه مع الله من ملائكة ومن جن، ومن بشر ومن أحجار وأخشاب وأصنام ما برهانهم على ذلك؟ أين الكتاب المنزل على أنبيائهم بذلك؟ ألا يستحيون أن يفتروا على الله كذباً؟ ألا يخجلون من أنفسهم؟ ألا يخجلون يوم العرض على الله عندما يأتون مشركين كافرين، ظالمين لأنفسهم؟ ﴿هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ﴾ [الأنبياء: ٢٤] الله تعالى بعد أن أمر ووعظ أضرب عن ثابت، فـ (بل) حرف إضراب يضرب بها عما قبلها، فهؤلاء معاندون جاحدون، ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٤] أكثر الذين كفروا وأشركوا وعطلوا وألحدوا، هؤلاء لا يعلمون الحق، ولا يتمسكون إلا بباطل وهراء وغثاء، وزيف من القول لا دليل عليه عقلاً، ولا سمعاً، وإنما هي مفتريات ومخترعات أوحى لهم بها الشيطان، واستمسكوا بها استمساكاً ببغاوياً فآمنوا بشيء لا يعونه ولا يفهمونه، وإنما هو كفر وشرك تقليدي، فهم معرضون عن معرفة الحق، وعن الإيمان بالله وبرسل الله، معرضون عن الكتب السماوية السابقة واللاحقة، معرضون عن الإيمان برسول الله وما جاء به من حق ونور وكتاب مبين.


الصفحة التالية
Icon