تفسير قوله تعالى: (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم)
قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣١].
يريد الله لنا أن نتدبر ونتذكر خلق السماء والأرض، فقال لنا: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٣١] أي: كي لا تضطرب ولا تميل، ولا تزعج من عليها.
﴿وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾ [الأنبياء: ٣١] أي: جبالاً ثوابت، ترسي الأرض لكي لا تميل، وهي محمولة على الماء، ثلاثة أرباع الأرض هو ماء، والربع الرابع هو الأرض؛ ولذلك أينما حفرنا لا نجد ماءً وقد نحفر ألف متر ولا نجد الماء.
﴿وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾ [الأنبياء: ٣١] أي: ثوابت راسخات: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٣١] كي لا تميل وتضطرب، أي: كي لا تميل الأرض وتضطرب بمن عليها، فلو لم يكن فيها هذه الجبال الرواسي المثبتة لمالت، كما لو وضعنا سفينة على الماء، ولم نجعل لها رواسي من جوانبها لمالت وانقلبت بركابها، وغرقوا وهلكوا، فكذلك الأرض.
﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣١] أي: خرقنا فيها فجاجاً، وهو جمع فج، وهو الطريق بين الجبلين سبلاً: سابلاً، سالكاً، يوصل الإنسان في الأرض بما يريد من أقاليم وأقطار، ومن جهات في مشرق أو مغرب أو جنوب أو شمال، لم يفعل هذه الرواسي حاجزاً عن أن يسير الإنسان في هذا الكون، وفي هذه الأرض كما يشاء لطلب مصالحه من تجارة أو طلب للعلم، أو تدبير للأمر، أو حكم للرعايا، أو ما إلى ذلك مما يحتاج إليه الإنسان الحي على وجه الأرض.
يلفت الله نظرنا لنفكر مع أنفسنا ساعة: من الذي خلق الأرض؟ من الذي خلق السماء؟ من الذي فتقهما وفصلهما عن بعضهما؟ من الذي خلق الجبال وما حكمة خلقها؟ من الذي شق فيها هذه الطرق الواسعة، والفجاج العميقة؟ من الذي جعلها سابلة وسالكة من المشارق والمغارب ومن الشمال ومن الجنوب؟ لو فكرنا قليلاً فسنجد أنفسنا نقول: الله الخالق، الله المدبر، الله الرازق، الله القائم بكل هذا والخالق له، والمدبر له.
((وَجَعَلْنَا فِيهَا)) أي: في الأرض ﴿فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣١]، أي: يهتدون إلى الطرق إلى الفجاج إلى السير إلى الرحلة إلى المصالح إلى ما يريدون، عندما يضربون في الأرض طلباً للعلم أو سياحة أو أي شيء يريدون.