تفسير قوله تعالى: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد)
قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٤].
قوم من الكفار تربصوا بالنبي ﷺ أن يموت، وتربصوا به المنون، قالوا: سيموت، فقال الله يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام وهو خطاب لنا مع هذا: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٤].
أي: يا محمد! قل لأولئك الذين يتربصون وينتظرون موتك: نحن لم نجعل لبشر من قبلك الخلد، أي: البقاء دواماً واستمراراً.
وأراد البعض أن يستدل بهذه الآية على أن الخضر قد مات، ولا دليل من هذه الآية، فلم يقل أحد من الناس مسلماً ولا كافراً أن الخضر سيخلد خلوداً أبدياً، كل من قال ببقائه قال: إنه سيعيش أزماناً طوالاً كما عاش نوح أكثر من ألف عام، ولبث في قومه يدعوهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاماً، كما ذكر القرآن الكريم.
قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ﴾ [الأنبياء: ٣٤] استفهام تقريري: ﴿فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٤] أي: لو مت يا محمد أفيخلدون هم؟ هم يتربصون بك المنون، وهم ينتظرون موتك ليستريحوا منك وهيهات! فسيجدون العذاب دونك إن بقوا على شركهم، وسيجدون ما أنذرتهم به من عذاب أليم في الدنيا والآخرة، وسيلحقهم إلى قبورهم، وسيخلد معهم خلوداً سرمدياً أبداً في جنهم، بل حياتك خير لهم، يسمعون منك العبرة والموعظة، ويسمعون منك الحرص على هدايتهم، هذا لو كانوا يعقلون، فكيف بمن له أعين لا يبصر بها، وآذان لا يسمع بها، وقلوب لا يفقه بها؟! هم كالأنعام، بل هم أضل من الأنعام، وأضل من الدواب، الدواب نستفيد مما في بطونها، ومن أوبارها، ومن ظهورها.
فالكافر والمنافق لا يستفاد منه في شيء، بل وجوده على الأرض دمار وخراب، فوجوده في باطنها خير من وجوده على ظهرها: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٤].


الصفحة التالية
Icon