معنى قوله تعالى: (بل متعنا هؤلاء وآباءهم)
قال تعالى: ﴿بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٤٤].
أي: متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر فاغتروا بفضل الله، وبما أكرمهم الله به من تمتع بالشباب والصحة، وبالمال والجاه والسلطان، مع طول الأعمار التي عمروها، فظنوا بذلك أنهم قد نالوا حقاً يجب لهم بما صنعوه وعملوه، وهكذا كل إنسان كافر يضحك على نفسه ويغتر بما صدر عنه، إن صنع حديدة وطار بها، أو حديدة وطرق بها، أو شيئاً انتقاه أو كلام لفقه يعد بذلك أن له الحق على الناس، وأنه أصبح متحضراً وكبيراً، وأنه أصبح يجب أن يتبع وهو على كفره وشركه، يريد أن يقود الناس على ذلك، وأن يخضعهم لذلك، وهكذا نتيجة ما متع به من مال وجاه وحطام، ومن عتاد وقوة، وصحة ومال.
يقول تعالى: هؤلاء الذين زادوا كفراً وعناداً، لم يصنعوا ذلك لأنفسهم نتيجة ما أدركوه، ولكننا نحن الذين أمهلناهم وأنظرناهم، وبعثنا لهم رسلاً فأطلنا لهم الأعمار، فما اتخذوا ذلك إلا غروراً، وما اتخذوا ذلك إلا زيادة في الجحود والكفران، ومتعوا حتى نسوا الله فنسيهم، ومتعوا بكل الأعمال حتى نسوا الآخرة.
﴿بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٤٤] أي: هؤلاء الذين يحتجون بآبائهم وقد كانوا كفاراً مثلهم، هؤلاء متعناهم بالقوة وطول الأعمار، ومتعناهم بما يعيش به الصحيح القوي الغني، فهم بذلك زادوا اغتراراً وباطلاً وكفراناً، فقال تعالى: ﴿حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ﴾ [الأنبياء: ٤٤].
متعوا إلى أن طال بهم العمر أزماناً، وكانوا يعيشون مئات السنين.
وإلى الآن الخطاب للكافرين السابقين، وهو خطاب لكل مؤمن وكافر، المؤمن بشر بالجنة والنعيم، والكافر أنذر بعذاب الله والجحيم، فمن طال عمره وصح جسمه وكثر ماله، ومكنه الله في الأرض فما زاده ذلك إلا غروراً وطغياناً، لو فكر قليلاً لعلم أنه لم يشتر الحياة، فالحياة لا تباع، ومن مات لو صرف عليه كل ما على الأرض ليعود للحياة فإنه لا يعطي الحياة إلا واهبها، ولا يزيلها إلا واهبها، فالأعمار يمنحها الله، فإذا أخذها فلا يستطيع أحد في الكون أن يعود بها.