تفسير قوله تعالى: (قل إنما أنذركم بالوحي)
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٥].
قل يا محمد لهؤلاء: إنما أنذركم بالوحي وأتهددكم وأتوعدكم وأخيفكم.
وهو لا يفعل ذلك من قبل نفسه، ولكن بالوحي من الله، وبرسالة الله، وبأمر الله في كتابه، أي فقد أوحى إلي وأمرني أن أبلغكم وأدعوكم بالوحي وأنذركم به، فإن خالفتموني فقد خالفتم ربكم، وإن عصيتموني فقد عصيتم ربكم، والله جل جلاله لا يهمل، ولكن يمهل، وإذا أخذ الظالم لا يفلته جل جلاله.
قل يا محمد: ﴿إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ﴾ [الأنبياء: ٤٥] لا أنذركم إلا بما يوحى إلي من كتاب متلو مقروء، أو المعاني التي ينطق بها وهي السنة المطهرة.
وقد قال الله عن نبيه: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: ٣ - ٤] أي: لا ينطق نبينا بما ينطق به من سنته، من فعل أو قول، أو إقرار إلا بوحي الرب بياناً وتفسيراً للكتاب الكريم بالوحي العظيم.
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٥].
يصف الله هؤلاء الكفار بأنهم صم، وهو جمع أصم، فلهم آذان لا يسمعون بها، أي: مع وجودها، وهم يسمعون الصوت والقول، ولكنهم لا يفقهون، قلوبهم عليها الران، وأسماعهم لا تسمع الخير، ولا تعيه، ولا تتفهمه، وهم بذلك كمن أعطي سمعاً وفقد نتيجته، وفقد عمله، فهو أصم.
﴿قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ﴾ [الأنبياء: ٤٥] يا محمد! عندما تدعو العباد إلى ربك فإن الصم لا يسمعون دعاءك، فعندما تناديهم وتقول: يا أيها الناس! تكون آذانهم صماً ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٧١].
آذانهم لا تسمع، وعيونهم لا تبصر، وقلوبهم لا تفقه، فهم كالأنعام بل هم أضل.
﴿قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٥] أي: إذا ما أنذرتهم ودعوتهم لله، وناديتهم لعبادة الله وتوحيده، وأنذرتهم جهنم والخلود فيها، واللعنة الدائمة السرمدية، فهم في هذه الحالة يصمون آذانهم عن السماع والوحي والفهم، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام مكلف بالبلاغ فيبقى يبلغ إلى لقاء ربه: ﴿فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ [يونس: ١٠٨].
هؤلاء مع وعيد الله لهم، ونذارة محمد ﷺ لهم لو مستهم (نفحة) أي: قدر قريب لا يكاد يذكر (من عذاب الله) كما لو أصيبوا بمرض، أو طاعون، أو حمى، فضلاً عن عذاب الله، وليس ذلك إلا نفحة من نفحات العذاب لا تكاد تذكر ولا ينتبه لها؛ لو مسهم ذلك لرأيتهم يجأرون ويصيحون، وينادون: يا ويلهم! وتجدهم معترفين عندما يصيبهم قدر من العذاب: ﴿لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٦] ولوجدتهم يصيحون ويجأرون، ويرفعون أصواتهم معترفين بأنهم ظالمون مشركون، ينادون بالويل والثبور، والويل: نهر في جهنم من قيح أهل النار ودمائهم، فهم ينادون ويلهم ونارهم، وينادون سعيرهم، كلمة يلهمونها وتكون جزاءً وفاقاً لأعمالهم: ﴿وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٦].


الصفحة التالية
Icon