تفسير قوله تعالى: (وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون)
ثم ذكر الله خاتم الكتب الذي أرسل به خاتم الأنبياء والرسل، فقال تعالى: ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٠].
تلك التوراة قد كانت، ثم بادت، وغيرت وبدلت، وحرفها بنو إسرائيل، وحولوها إلى كتب شرك ووثنية، فذكروا فيها أن عزيراً ابن الله، وعبدوا العجل وقذفوا الأنبياء المقدسين، وتهجموا على الله جل جلاله، وعلا مقامه، ولم نؤمن إلا أنه كان هناك كتاب هو التوراة أنزل على موسى.
﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ﴾ [الأنبياء: ٥٠] أي: القرآن الكريم الذي يقال له الذكر، ويقال له: الفرقان، هذا الكتاب الذي أرسله الله ذكراً للعالمين منذ البعثة المحمدية إلى الأبيض والأسود والأحمر إلى العربي والعجمي إلى المشارق والمغارب إلى يوم البعث والنشور، فلا نبي بعد محمد، ولا كتاب بعد القرآن، فصلوات الله على نبينا عليه الصلاة والسلام.
(وهذا) الإشارة للكتاب الذي أنزل، والكتاب الذي ينذر به النبي ﷺ الناس، والكتاب الذي نتشرف بأن نتدارسه تجاه الكعبة المشرفة، وفي بيت الله الحرام.
قوله: (وهذا ذكر مبارك أنزلناه) أي: ومبارك القصص والعقائد، ومبارك الشفاء، فيه شفاء، ولمتبعه الرحمة والرضا من الله، ومبارك للناس ينشر الهدى والعدل بينهم، ويبدد الظلمات، ويزيل الضلال، ويهدي إلى الحق والنور، ويزيل الشرك، ويمحق الأصنام، ويعرف الناس بالحق، ويبعدهم عن الباطل، تلك بركات القرآن، وبركات الذكر الحكيم، يذكر الله تعالى ذلك ويؤكده، ويدلنا عليه، ويرشدنا إليه.
قوله: ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ﴾ [الأنبياء: ٥٠] أي: أنزله وحياً على نبينا، وأنزله كتاباً على خاتم الأنبياء، قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ﴾ [الشعراء: ١٩٣] أي: جبريل، على قلب نبينا ﷺ من الله جل جلاله: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٢].
هذا الكتاب الذي جاء ناسخاً للكتب قبله، وجاء تطبيقاً للحق الذي فيها إن وجد، ومهيمناً عليها ومبدداً ما فيها من تحريف وتبديل.
قوله: ﴿أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٠] يا هؤلاء المنصتون من البشر قبل وبعد وإلى يوم القيامة منذ العرب عندما قام بينهم نبي الله صلوات الله عليه، وهو يقول: إني بشير ونذير إني رسول إلى الناس كافة، منذ ذلك وإلى الآن، وإلى ما بعد الآن، يقول الله لنا وقد وصف القرآن بخير الصفات من الدعوة إلى الله، والقبول من الأنبياء، والبعد عن الظلمات، والاهتداء بالطريق المستقيم: ﴿أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٠] استفهام تقريري بالنسبة لمن يؤمن، فهو قرار من الله لأن نؤمن به ونلتزم، ففيه صلاحنا في الدنيا والآخرة، وهو استفهام إنكاري توبيخي لمن جحده ولم يؤمن به.
﴿أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٠] أي: أتنكرون أنه وحي؟ أتنكرون أنه ذكر حكيم؟ أتنكرون أنه مبارك؟ أتنكرون أنه الكتاب الذي لا كتاب بعده من السماء، وهو خيرها وأجلها وأعظمها؟


الصفحة التالية
Icon