تفسير قوله تعالى: (إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل)
قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٢].
كان رشده، كانت هدايته، كان عقله، كان فهمه، كان إدراكه، كان ما ألهمه من منطق سليم ودعوة إلى الله وهو لا يزال بعد صغيراً فدعا قومه إلى عبادة الله، واستنكر عبادتهم للأصنام: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٢].
التماثيل: جمع تمثال، والصنم سمي تمثالاً؛ لأنه مثل به خلق من خلق الله، مثل إنسان أو جن أو ملك تخيلوه، أو حيوان رأوه فصنعوا على شاكلته شبيهاً له، وسمي مثالاً وتمثالاً، ويصنعونه من الذهب والفضة، والصفر، ومن الحديد والأخشاب والأحجار، وغيرها من الجمادات التي لا تعقل.
يا أبت! يا قوم! ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون، وأنتم مقيمون عليها الليل والنهار، قائمون على عبادتها، والركوع لها، والسجود إليها، وعبادتها من دون الله؟ أليست لكم عقول تفكر وتعقل؟ ألهذه التماثيل تصرفون العبادة؟ ألها فهم؟ أتنفع أم تضر نفسها فضلاً عن أن تنفعكم أو تضركم؟! مر علي كرم الله وجهه على قوم يلعبون الشطرنج فقال لهم: ﴿مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٢] لأن يمس أحدكم جمرة حتى تحترق يده خير من اللعب بهذه التماثيل.
وكان علي كرم الله وجهه يحرم اللعب بالشطرنج، وهو رأي كثير من الأئمة المجتهدين والمتبوعين من الأربعة وغيرهم، وأجازه البعض إذا كان لا يشغل عن صلاة، ولا يدعو إلى نزاع؛ لما فيه من امتحان الفكر والوعي، ولا يكون ذلك إلا لقلة من الناس، ومن هنا روي عن الشافعي هذا.