تفسير قوله تعالى: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة)
قال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٢].
استجاب الله لطلب إبراهيم ودعائه وندائه، وكان قد تجاوز المائة عام، قال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الصافات: ١٠٠].
دعا أن تكون له ذرية صالحة، فاستجاب الله له بعد كبره وبعد عقم سارة، فولدت سارة بعد أن تجاوزت التسعين إسحاق، وولدت هاجر إسماعيل الأب الأعلى لنبينا صلوات الله وسلامه عليه.
فقال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ﴾ [الأنبياء: ٧٢] في هذا الوقت لم يكن إلا إسحاق، كان هبة من الله وعطية له من الله.
قال تعالى: ﴿وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً﴾ [الأنبياء: ٧٢] والنافلة: الزيادة مثلما نقول: الفرائض والنوافل، والفرائض: حق لازم وفرض على كل مسلم، والنوافل: زوائد من صلاها أجر، ومن تركها لا يأثم ولا يعاقب، وإن أصر على ذلك قد يلام على تركه سنة لم يتركها رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنها على كل اعتبار ليست بفريضة، وكان الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: التقوى إتيان الفرائض.
ومن هنا يقول الشاعر: ولم أصل سوى فرض ولم أصم يقول عن نفسه: الذي أكرمني الله به أنني لم أترك الفرائض قط، أي: لم يترك الأركان ومتعلقاتها، وتلك التقوى عند السلف الصالح.
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ﴾ [الأنبياء: ٧٢] أعطاه إسحاق منحة في غير وقت الولادة، وكانت سارة عقيمة، وكان إبراهيم مسناً قد رق عظمه، وكثر شيبه وضعف؛ ولذلك عندما جاءه الملائكة يبشرونه ضحكت سارة أيكون هذا وأنا عقيم! وهذا بعلي شيخاً؟ قالوا لها: أتعجبين من أمر الله! إن الله قادر على كل شيء.
من ولد الصخر ناقة لم لا يولد إنساناً كان مسناً أو عقيماً أو لم يكن؟! فهو الذي أولد غير العقيم وهو القادر على زوال العقم من العقيم.
قوله: ﴿وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً﴾ [الأنبياء: ٧٢] ويعقوب هو ابن إسحاق أي: حفيد إبراهيم، وإبراهيم قد أكرمه الله في حياته بأن كان في بيت واحد وسلالة واحدة أربعة أنبياء، إبراهيم خليل الله، وإسحاق وإسماعيل ولداه نبيا الله المكرمان، وحفيده يعقوب، كان الأربعة أنبياء في بيت واحد؛ ولذلك سأل ﷺ مرة: (من الكريم فيكم) فأخذوا يفكرون ويتنقلون بأذهانهم أنه نبي، أو فلان فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (الكريم هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم نبي الله، وولد نبي الله، وحفيد نبي الله، وسبط نبي الله).
أربعة في سلالة واحدة، كانوا يقولون لبعضهم: أبي وجدي وولدي وحفيدي وسبطي، وهذا هو الكرم الذي لا كرم بعده، والحسب الذي لا حسب بعده، ومع ذلك فنبينا سيد الكل، وإمام الأنبياء وسيد المرسلين عليه الصلاة والسلام.
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٢] طلب إبراهيم أن يهبه الله من الصالحين ولداً، فالله تعالى وهب له الصالح وأكرمه، وجعله من سادات الصالحين، وأعطاه ولداً نبياً من الصالحين وحفيداً من الصالحين، وسبطاً ليوسف من الصالحين.
قال تعالى: ﴿وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٢] لم نقصر الصلاح على ما طلب من الولد، بل جعلنا الأب والابن والحفيد والسبط كل واحد منهم صالحاً، وهذا التنوين في لغة العرب يقال له: تنوين العوض، فهو عوض عن كلمة، وقد يكون عوضاً عن جملة.
وكل هؤلاء إبراهيم وإسحاق ويعقوب جعلنا من الصالحين، أكرمناهم، وخلقناهم، وفطرناهم ضمن الصالحين من عباد الله الأنبياء والرسل، وأتباعهم من المؤمنين الصالحين الصادقين.


الصفحة التالية
Icon