تفسير قوله تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا)
قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٣].
يصف الله لنا هؤلاء الكرام السادة من الأنبياء ليكونوا قدوة لنا وأسوة.
﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: ٩٠] قالها لسيد الخلق، وهي لنا تبعاً لسيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه.
قال عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً﴾ [الأنبياء: ٧٣] أي: سادة، ورؤساء، وقادة، وأنبياء، ورسلاً.
قوله: ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ [الأنبياء: ٧٣] أي: بوحينا، يهدون الناس إلى الخير، ويهدونهم من الضلال إلى الهدى، ومن الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى التوحيد.
قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ﴾ [الأنبياء: ٧٣] فكانوا أنبياء موحى إليهم، ورسلاً كراماً دعاة إلى الله وتوحيده وعبادته.
وما الخيرات إلا الطاعات، وما الخيرات إلا العبادة، وما الخيرات إلا التوحيد، وما الخيرات إلا الإيمان بالله وحده لا شريك له، وبرسله عبيداً مكرمين، ورسلاً مبشرين ومنذرين.
أوحى لهؤلاء السادة الثلاثة الكرام، وجعلهم أئمة في الخير وسادة للناس، وجعلهم رسلاً وأنبياءً، وأوحى إليهم من الخيرات العبادة والتوحيد والطاعة وفعل الخيرات كلها، وترك المنكرات جميعها.
قوله: ﴿وَإِقَامَ الصَّلاةِ﴾ [الأنبياء: ٧٣] وأوحى إلى هؤلاء أن يقيموا الصلاة، والإقامة: الإتيان بالصلاة بأركانها وواجباتها وسننها وشرائطها، وصلاة كل نبي حسب شريعته.
قوله: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] أي: عبادة كالصلاة، وصلاتهم الله أعلم بها، ولكنها مع ذلك لا تخرج عن التسبيح، والتمجيد، والتعظيم، والدعاء، والتوجه لله بجميع الحواس.
قوله: ﴿وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ﴾ [الأنبياء: ٧٣] كما أوحى إليهم إقامة الصلاة والملازمة عليها، والقيام عليها أوحى إليهم أن يؤتوا الزكاة، ويعطوا قدراً معلوماً على كل مال وزراعة وتجارة، حسب شرائعه التي اندثرت ونسخت، وعوضت هذه الديانات بالدين الذي لم يقبل الله بعد الرسالة المحمدية غيره، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ [آل عمران: ١٩]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٨٥].
وكل هذه الأمة أمة محمدية، المسلم واليهودي والنصراني، ولكن المستجيب من الناس يسمون أمة الإجابة، وغير المستجيب يسمى أمة الدعوة، ويعتبرون متمردين عصاة، وقد تمردوا على طاعة نبيهم أيضاً؛ ولذلك عندما يقال: نبي العرب أو نبي الإسلام من يقول هذا يكون جاهلاً، فليس هو نبي العرب وحدهم، ولم يأت النبي بهذا فقط، بل جاء بالإسلام لكل الخلق والبشر.
وهكذا دواليك إلى قيام الساعة، فمنذ وقف في هذه البطاح المقدسة، وعلى هذه الجبال الشاهقة، وفي هذه الأرض المباركة وهو يقول: إني رسول الله إليكم جميعاً، لزم على كل من بلغته الدعوة أن يقول: سمعاً وطاعة، لبيك يا محمد، لبيك يا رسول الله، فإن لم يفعل اعتبر متمرداً كافراً مشركاً، إلا أن يتوب الله عليه قبل أن تصل روحه إلى الحلقوم.
قوله: ﴿وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٣] هذا هو المدح والإطراء الذي لا يعلوه مدح، الله جل جلاله يثني على عباده هؤلاء الذين خلدوا إلى أبد الآباد في الدنيا، وسيخلدون كذلك مع المؤمنين في الآخرة، أشاد الله بهم أعظم إشادة هنا، وفي غير ما آية وما سورة.
وقال خاتماً هذه الآية: ﴿وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٣] أي: موحدين، ومختصين بالعبادة، لم يشركوا معنا غيرنا، لم يطيعوا غيرنا، لم يعبدوا سوانا، وكانوا عابدين موحدين مطيعين لما أمروا به، وهكذا أثنى الله تعالى على هؤلاء السادة النجب.