تفسير قوله تعالى: (ولوطاً آتيناه حكماً وعلماً)
ثم انتقل بنا إلى الكلام على لوط فقال تعالى: ﴿وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٤].
أي: اذكر يا محمد لوطاً، فهو كذلك ممن أكرمناه واصطفيناه، وآتيناه الحكم والعلم، آتاه الله الحكم نبياً رسولاً يحكم في أتباعه والمؤمنين الذين آمنوا به، وآتاه الله علم الحقائق بمعرفة الله ومعرفة أنبيائه، ومعرفة أن هذا الكون بعلوه وسفله وشرقه وغربه وشماله وجنوبه وما بينها هي كلها خلق الله.
والله هو الذي فطرها وابتدعها على غير مثال سابق، وكل ما على العالم خلق الله وعبد لله، والكل آتيه عبداً طائعاً إلى الجنة أو مكرهاً إلى النار.
قوله: ﴿وَلُوطًا﴾ [الأنبياء: ٧٤] نصب على حذف الفعل، قال: ﴿وَلُوطًا آتَيْنَاهُ﴾ [الأنبياء: ٧٤] تقديم وتأخير، أي: آتينا لوطاً حكماً وعلماً، آتاه الله الحكم والنبوة، وأرسله إلى قوم سدوم من أرض فلسطين، من أرض الشام.
وآتاه العلم الذي به دعا الخلائق، دعا قومه وعشيرته ومن أرسل إليهم إلى عبادة الله؛ فحورب، وكادوا يبطشون به، ولكن على عادة ربنا مع عباده المكرمين أن النصر لهم في النهاية.
قوله: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأنبياء: ٧٤] أي: القرية التي كانت تعمل الخبائث التي لم تسبق لها، ولم يسبق أن كان مثلها قبلهم، فقد كانوا يأتون الذكران دون النساء، وكانوا يأتونهم في المجالس، وكانوا مشتملين على أنواع من المنكرات والفواحش يكاد يعجز عنها الشيطان إلى أن بلغ بهم الأمر عندما جاء ملائكة من الله رسلاً للوط، حيث جاءوا في صور الشباب الصغار المراهقين، والملك له من قوة التطور ما أعطاه الله، وإذا بهم جاءوا بتجسس من امرأة لوط التي كانت كافرة، والتي لم تكرم بالإيمان به رغم كونها زوجته، وكانت في بيته، ونشأت بين جناحيه وفي حضنه.
فجاءوا مسرعين يريدون الفاحشة؛ فأنذرهم لوط ونصحهم، فلم يزدادوا إلا عتواً إلى أن خرج أحد هؤلاء فضربهم بيده فعموا جميعاً، ثم عوقبوا بأن جعل الله الأرض عاليها سافلها، وجاء جبريل ومن معه فحملوا أرض سدوم ورفعوها إلى السماء إلى أن سمعت ملائكة السماء صياح ديكتهم وحيواناتهم.
ثم قلبوها على الأرض، فأصبح عاليها سافلها، وأتبعوا بالرجم والصواعق، فأصبحوا كأمس الدابر وكأنها لم يكن، وهكذا الذي يحاول أن يتجاوز الحرام، ويحاول أن يستمر في الكفر ويصمم عليه فإن الله يمهل ولا يهمل، فقال تعالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأنبياء: ٧٤] أي: كما أنجاه وهو في العراق مع عمه إبراهيم فأخرجه من العراق ونجاه من النمرود وقومه، كذلك عندما أتى إلى سدوم وأرسله الله نبياً إليهم فكانوا أفسق وأفجر الناس، أنجاه الله منهم مرة أخرى، بأن بددهم ودمرهم، وسحقهم سحقاً.
قوله: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأنبياء: ٧٤] الخبائث: هي هذه المعاني التي أشرنا إليها ومضت لنا في السورة الماضية، وتأتي كذلك بعد.
قوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٤].
قال تعالى عن أهل سدوم: إنهم كانوا قوم جريمة وسوء وفسق ومعصية، قوم منكرات وخبائث.
فاسقين أي: خارجين عن الطاعة والإيمان، خارجين عن الأخلاق التي يجب أن تكون في الإنسان المؤمن المطيع.
ثم انتقلنا من بعد ذكر إبراهيم وإسحاق ويعقوب ولوط إلى ذكر نوح، ومن هنا كانت السورة اسمها: سورة الأنبياء.


الصفحة التالية
Icon