تفسير قوله تعالى: (قل الله أعلم بما لبثوا)
قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ [الكهف: ٢٦].
وفي قراءة ابن مسعود وقراءته شاذة: (وقالوا لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين).
فنسب هذا القول لأولئك الذين أعثر الله عليهم، أنهم هم الذين قالوا ذلك.
وقال ابن مسعود: لم يقرهم الله عليه؛ ولذلك قال: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ [الكهف: ٢٦].
وهذا ليس بصحيح؛ لأن قراءة ابن مسعود شاذة لا تصح، وليست في القراءات السبع، فالخبر بمدة إقامتهم في الكهف، ثلاثمائة وتسع سنوات خبر إلهي، ولكن قال الله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ [الكهف: ٢٦].
لأن يهود المدينة وأدعياء الكتاب سيناربونك، وأن المدة ليست ثلاثمائة سنة وتسعاً، وأن العدد ليس سبعه والكلب الثامن، وسيقولون ويقولون.
أي: فإن نازعوك فلا تمار في ذلك إلا مراءً ظاهراً، ثم أخبرك ربك وأعلمك فإن عارضوك: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ [الكهف: ٢٦].
فالله أعلم بمدة لبثهم وإقامتهم، هل لبثوا مائة سنة أم ألف سنة، أم سبعمائة، فأخبر يا محمد بما أُخبرت به، فإن نازعوك فقل: الله أعلم بالعدد.
قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٦].
قال تعالى: هؤلاء إن جادلوك وماروك، ونازعوك، فلا تمارهم ولا تنازعهم، وقل ربي: ﴿أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الكهف: ٢٦].
فالله وحده هو عالم الغيب والشهادة إذ لا يعلم غيبه أحد، قال تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن: ٢٦ - ٢٧].
ولا يدعي معرفة الغيب من قبل ذاته إلا دجال كذاب أشر، وغيوب الأنبياء هي بعلم الله، وبإعلام الله، من شاء أعلمه، ومن شاء لم يعلمه، وغيب الله لا يعلمه أحد، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، إلا من شاء الله أن يعلمه.
يعلمه ببعض ما يريد.
قوله: ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ [الكهف: ٢٦].
تعجب للكثرة، أي: ما أسمعه، وما أكثر سمعه، وما أكثر بصره، فبعض العلماء نازعوا في هذا التعبير أن يقال على الله، والآية تدل على أنهم قالوا ما ليس بحق، والنبي يؤكد ذلك عليه الصلاة السلام فقال (لا أحد أصبر من الله)، أي: يكفر به الإنسان ويشرك به ومع ذلك يصبر، ويرفق بهم ويعطيهم عوناً وأرزاقاً، وهكذا هنا.
فالمعنى: ما أصبره وما أسمعه، فالله جل جلاله يعلمنا أن نقول: هو وحده الذي انفرد بأن يسمع كل شيء ويبصر كل شيء، وأن يعلم كل شيء.
هو عالم الغيب والشهادة لا يشاركه أحد في علمه ولا في غيبه ولا في شهوده جل جلاله وعلا مقامه.
قال تعالى: ﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ [الكهف: ٢٦] أي: ليس لأحد من الخلق من دون الله ولي ولا ناصر ولا معزز، ولا ما يعطيهم إذا هم جاعوا وذلوا وتضرعوا.
قال تعالى: ﴿وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٦].
لله الأمر والنهي، لا حكم إلا لله وحده، ولا يشرك الله في حكمه ولا في أمره ولا في إرادته أحد من خلقه، وكل ما زعم المشركون والكافرون إن هي إلا أسماء سموها، مالهم بها من علم ولا لآبائهم، ولا دليل عليها، ولا سلطان لها.
فالله لم يشرك معه أحداً لا في الخلق، ولا في الأمر، ولا في النهي، ولا في العطاء ولا في المنع، وكل هذا تأكيد لتوحيد الله وعبادته وإفراده بالعبودية وبالألوهية والربوبية جل جلاله.


الصفحة التالية
Icon