تفسير قوله تعالى: (وآتيناه أهله ومثلهم معهم)
قال تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٨٤].
ظاهر الآية يدل -كما يقول جمهور المفسرين- على أن الله أحياهم كأشب ما كانوا والأهل يُطلق على الزوجات والأولاد، فعاد الأولاد والنساء كأشب وأقوى ما كانوا عندما كانوا في الحياة.
قوله: ﴿وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٨٤] أكرمه الله بأن أعطاه ما كان، وضاعفه مثليه، وكيف كان الضعف؟ هؤلاء الزوجات أولدهن، وإذا بكل واحدة ولدت عشرين وثلاثين، فعوّض ما ضاع وازداد، وعوّضه ما ضاع من أراض وزروع وخيول، ومن كل ما كان عنده مضاعفاً.
قوله: ﴿رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا﴾ [الأنبياء: ٨٤] رحمه الله وأكرمه، واستجاب دعاءه، كما نرجو الله أن يرفع عن هذه الأمة وعنا هذا البلاء المبين، وتسلط اليهود والنصارى والمجرمين، وما كان ذلك إلا لعقوبة وذنب، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لم تكن عقوبة إلا بذنب)، وإلا فالله لا يكرهه شيء.
جاءت امرأة أيوب ووجدت شاباً جميلاً، ولم تجد المكان الذي كان فيه أيوب المبتلى المريض، وبحثت فكادت تتوله أين ذهب؟ هل جرته الكلاب؟ هل جرى له وجرى له؟ فسألت هذا الشاب الجالس القريب من المكان: أما رأيت أيوب المبتلى؟ فتبسم لها، فعندما تبسم قالت له: والله لكأنك هو وقت شبابه، وإن ابتسامتك ذكرتني بابتسامته، قال لها: أنا أيوب، فارتمت عليه معانقة: ﴿فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٤].
هذا هو المغزى، وهذه دائماً خواتم الآي، فمعنى ذلك: قصصنا عليكم أيها المؤمنون قصة أيوب؛ لتكون ذكرى للعابدين إذا ابتلوا وامتحنوا وأصابهم ضر فلا ييئسوا من روح الله ورحمته: ﴿إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ﴾ [يوسف: ٨٧].
وهكذا تبقى قصة أيوب، وقد ذكرت في القرآن في غير ما آية وفي غير ما سورة، كما قال تعالى: ﴿وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٤] أي: للمخلصين لله والقائمين على عبادة الله، والمؤمنين الصادقين الذين لا يشركون مع الله غيره، والذين لا يعبدونه رياء ولا سمعة؛ وهذا المغزى هو سر وروح الآية والقصة، ذكر ذلك لنبينا أولاً لتكون ذكرى له.


الصفحة التالية
Icon