تفسير قوله تعالى: (والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا)
قال تعالى: ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ٩١].
والفرج: لغة الشق، ويطلق على كل شق في البدن والثياب والأرض، ولكن هذه الكلمة التي كانت في الأصل كناية ومجازاً لكثرة الاستعمال كادت تطلق على مكان العفة بالذات، وليست هكذا لغة ﴿وَالَّتِيأَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ [الأنبياء: ٩١] وهي مريم الصدّيقة عليها سلام الله أم عيسى نبي الله وعبده عليه وعلى نبيا الصلاة والسلام.
والمعنى: واذكر يا محمد المرأة التي أحصنت فرجها، وعفّت عن الفاحشة والسوء، وعاشت عفيفة حياتها إلى أن أكرمناها بالآيات؛ فرزقناها ولداً بلا فحل، وقصتها مضت في غير ما سورة من السور الماضية.
قوله تعالى: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا﴾ [الأنبياء: ٩١].
الروح: جبريل عليه السلام، نفخ فيها جبريل، ونسبت الروح إلى الله تشريفاً، فجبريل لله، والملائكة كلهم لله، وكلنا عبد خاضع مطيع لله، ولكن هذه النسبة والإضافة للذات العلية بهدف تشريف مريم وعيسى.
وهكذا كان الولد نتيجة النفخ بالأمر الإلهي لجبريل كبير الملائكة، وإذا بها تحمل، فحملت حملاً عادياً تسعة أشهر بالوحم وبالكبر في البطن إلى أن ولدته وأتت به تحمله، فقام قومها وأخذوا يقولون: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ [مريم: ٢٨ - ٢٩] وإذا به أخذ يتكلم -معجزة- بعد ولادته بيومين أو ثلاثة، وهي الأيام الثلاثة الرمزية التي صامت فيها، ثم تكلم ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ [مريم: ٣٠].
تكلم بالعبودية وبالطاعة، وأن الله جعله نبياً، وأنه باركه وقت الولادة والوفاة ويوم يبعث حياً.
﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ٩١].
جعلها الله آية وعلامة على قدرته وأنه القادر على كل شيء كما يشاء جل جلاله، فهما آيتان: جعلناها آية، وجعلنا ابنها آية، وحُذفت إحدى الآيتين للعلم بها، ولفهمها من السياق، وكانت ولادتها آية كونها حملت بلا فحل.


الصفحة التالية
Icon