تفسير قوله تعالى: (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن)
ثم قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [الأنبياء: ٩٤].
بعد أن أخبر بأن الدين واحد، وأن المعبود واحد، وأن الرسالة التي أرسل بها الرسل واحدة في الدعوة إلى توحيد الله، وإلى عبادته وحده؛ وأنذر وتوعد من قطّع الدين وجعله أحزاباً وشيعاً بأنه سيرجع إلى ربه ويحاسب بذنبه عاد فبشر المؤمنين في هذه الآية فقال: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٤].
ولم يطلب الله الصالحات كلها؛ لأن البشر يعجز عن أن يأتي بذلك كله؛ وهذا ما فسّره نبينا عليه الصلاة والسلام وقال: (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) لم نكلف إلا بما نستطيع ونقدر عليه، ولم يجعل الله علينا في الدين من حرج.
قوله: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ﴾ [الأنبياء: ٩٤] أي: بعضها، فـ (من) للتبعيض.
﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [الأنبياء: ٩٤] أي: حالة كونه مؤمناً، وإلا فعمل غير المؤمن يكون هباءً منثوراً؛ لأنه يعمله للشركاء، فهي زيادة في الكفر والمعصية والتمرد والتحدي، ولا عبادة إلا بالنية، ولا نية إلا مع الإخلاص، وهذا لا يعبد الله الواحد، وبالتالي لا إخلاص له؛ لأنه يعبد أرباباً متفرقين.
قوله: ﴿فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾ [الأنبياء: ٩٤] أي: لا جحود ولا إهمال لسعيه وعمله، والجحود من الله لعباده معناه العقاب والمكافأة، والجزاء بما صنعوا من سوء، واعتراف الله للعبد وقبوله لطاعته يكون ذلك بالرضا عنه وبقبولها.
قوله: ﴿فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾ [الأنبياء: ٩٤] أي: لا يجحد الله سعيه، ولا عمله، بل يجازيه عليه ويحسن إليه من أجله، لا يجحده إياه ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٩] يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا.
قوله: ﴿وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٤] أي: إنا لسعيه وطاعته وعبادته حافظون وكاتبون، نكتب ذلك له، ونأمر الملائكة المصاحبين للإنسان من عن اليمين أن يكتبوا حسناته وسعيه الصالح، ونحن نحفظ له ذلك ونجمعه له، إلى أن يجازى عليه بدخول الجنان والرحمة والرضا من الله.