تفسير قوله تعالى: (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى)
سمع هذه الآية مشركو مكة فإذا بهم يقولون لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ويتولى كبر القول ابن الزبعري الشاعر، وكان لم يسلم بعد، ولكنه بعد ذلك أسلم وحسن إسلامه قال: يا محمد تقول: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] كيف هذا واليهود يعبدون العزير، والنصارى يعبدون عيسى ومريم، وبنو مليح من العرب يعبدون الملائكة، هل سيدخل معنا إلى النار عيسى والعزير ومريم والملائكة؟ وإذا بالله الكريم يقول بعد ذلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١]، فالله استثنى هؤلاء، و (إن) في الآية معناها (إلا) ولا ثاني لها في القرآن بهذا المعنى.
قال تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] إلا من سبقت لهم منا الحسنى أي: سبقت لهم منا العافية والهداية، وسبق لهم منا التوفيق، وفي طليعة هؤلاء نبي الله عيسى والعزير ومريم والملائكة.
والنبي ﷺ قبل نزول الآية احتج باللغة التي يعرفها هؤلاء، فقال لهم: (وما تعبدون) (ما) لا تقع إلا على غير العاقل، فأنتم وما تعبدون من أصنام وأحجار وجمادات، ولا تشتمل العاقل.
وهنا استثني من يعبد من دون الله من الأنبياء وغيرهم كعزير وعيسى ومريم والملائكة، فهم لم يرتضوا ذلك ولم يقبلوه، وعندما علم بعضهم بداية ذلك تبرأ منه وأنكره، ونفر قومه وهددهم ووعدهم ممن فعلوا هذا.
ومن المعلوم في لغة العرب أن (ما) اسم موصول يطلق على غير العاقلين، و (من) على العاقلين، والآية هنا في الأصل لا تحتاج إلى استثناء، وإن كان الاستثناء يعتبر تأكيداً وتوثيقاً: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الأنبياء: ٩٨] والخطاب للمشركين: ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨]، أي: وقود وحطب جهنم، ﴿أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨]، أي: داخلون.


الصفحة التالية
Icon