تفسير قوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧].
أي: يا محمد! ما كانت رسالتك إلا رحمة لكل الناس برها وفاجرها، مؤمنها وكافرها.
وقد استشكل قوم فقالوا: نبينا رحمة للمؤمن، فكيف هو رحمة للكافر وهو الذي أنذر وهدده بالنار خالداً مخالداً إذا دام على كفره ومات عليه؟ والجواب بين واضح: النبي رحمة للكافر قبل أن يكون رحمة للمؤمن؛ حيث إن النبي ﷺ اعتنى به ودعاه، وبلغه رسالته، وأنذره عذاب الله وبشره برحمته، أتعب نفسه التعب الكبير ليؤمن، حمله كفار قريش ما لم تحمله الجبال الرواسي من عناد، وشتيمة، وهجران، وإسالة دماء، وكسر أسنان، ومؤامرات، وتألب عليه بكل الأشكال، وهو مع كل ذلك يدعوهم، وعندما يقال له: ادع على أعدائك، يقول: لم أرسل سباباً، ولا لعاناً، ولكني أرسلت رحمة للعالمين.
ومن هنا يقول الله له: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ [التوبة: ١٢٨]، أي: كان صعباً على نفسه وعزيزاً عليها أن يتعنت قومه فلا يؤمنون، فكان رحمة لهم حيث دعاهم إلى الله، ورحمة لهم بما أرجأهم من عذاب مدة حياتهم؛ لعلهم يوماً يعودون إلى الله ويقولون: ربي الله، ويتوبون.
فهو رحمة لهم بإرساله لكل الناس الكافرين والمؤمنين، عندما أرسل كان أول من آمن به خديجة، ثم أبو بكر، ثم علي رضي الله عن الثلاثة، وصلوات الله على نبينا وسلامه.
من كرامة الله لرسوله أنه أوقف ما كان يعاقب به الأمم السابقة من خسف وقذف بالحجارة والصواعق، ومن مسخ إلى قردة وخنازير، فالأمة المحمدية لا تخسف بها الأرض، ولا تقذف بالحجارة من السماء، ولا تمسخ قردة ولا خنازير، وتبقى على حياتها وقد ترزق وقد رزقت، وقد تستغني وقد استغنت، وأرجئت في العذاب والمحنة إلى ساعة الغرغره، فإذا أناب وتاب ولو قبل الموت وقبل وصول الروح إلى الغرغرة فإن الله يقبل توبته.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إنما أنا رحمة مهداة) وكفى في ذلك قول الله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧]، أي: لجميع العوالم منذ إرساله للعرب والعجم، للمشارق والمغارب، للبر والفاجر، للمؤمن والكافر، وما جزاء من يكون هكذا إلا أن يحب، وأن تدام الصلاة عليه، وأن يتبع ويجعل مثالاً وأسوة وقدوة صلوات الله وسلامه عليه ما دام الليل والنهار، وجزاه الله عنا أحسن الجزاء، وحشرنا تحت لوائه يوم القيامة.