معنى قوله تعالى: (وترى الأرض هامدة)
ثم قال تعالى: ﴿وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج: ٥].
هذا يدل على أن ما يصنعه الله في الإنسان يصنعه في الأرض، وقد يكون هذا أعظم وأبلغ، وهو كالإحياء من التراب لأبينا الأول آدم.
قال تعالى: ﴿وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً﴾ [الحج: ٥] أي: ميتة لا حراك فيها، فهي تهمد همود الميت.
فيخاطب الله تعالى أي إنسان يرى الأرض ببصره عندما لا تنبت هامدة ميتة لا حراك بها كالصحاري وكالصخور وكالأرض المتحجرة، وكالأرض المالحة، وكالأرض المجدبة، تجدها باستمرار هامدة لا تقبل نباتاً ولو أفضنا عليها بحار الأرض.
﴿وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ [الحج: ٥] فإذا سقاها الله وأغاثها بالمطر أخذت تهتز وتربو، أي: ترتفع؛ لأن الحياة دخلتها.
ومن أين أتت هذه الحياة؟ نرى الأرض هامدة فإذا أنت وضعت فيها حبوباً ميتة، ورأيت جذر شجرة ميتاً، فتغيب عنه أياماً وإذا به ينمو ويعلو ويخضر؛ لأن الله جعل الحياة تدب فيه مرة أخرى، فقد سقاه الله وأحياه بالماء والمطر، ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: ٣٠] إنساناً وحيواناً ونباتاً، وكل ما يطلق عليه شيء.
قال تعالى: ﴿وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ [الحج: ٥] أخذت تهتز وتضطرب، ولو أردت أن تؤكده وتحققه -وخبر الله مؤكد، فهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- فازرع شيئاً وراعه ليلاً ونهاراً أو في أي وقت، فستجد أن ذلك التراب أخذ يربو ويهتز ويضطرب، وإذا بتلك البذرة انفلقت عن غصن، وانفلقت عن شيء فيه حياة، وهكذا من كونه غصناً صغيراً ليناً يكسر بأي شيء، وإذا به شجرة شامخة، فمن الذي أحياها؟ ومن الذي زرع فيها الحياة؟ وكيف كان ذلك؟ تلك قدرة الله التي انفرد بها جل جلاله، فهو المحيي والمميت، وهو الحي موجد الوجود والحياة، وهو الذي يحيي ويميت، فلا صنم ولا وثن ولا ملك ولا إنس ولا نبي ولا جن ولا غير الله يستطيع أن يفعل ذلك، فالطبيب يعالج العضو الفاسد ويرقعه، أما إذا فقد أو ذهبت منه الحياة فلا يعطي الحياة إلا الله، ولا يعطي العضو الحركة إلا واهبه ومحركه جل جلاله.


الصفحة التالية
Icon