تفسير قوله تعالى: (ذلك بأن الله يولج الليل في النهار)
ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج: ٦١].
(ذلك) أي: ومن قدرة الله ومن أحكامه وأوامره أنه جل جلاله: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [الحج: ٦١] هذا في قارات الأرض طبيعي إلا ما شذ منها كالقطب الشمالي المتجمد، فإن النهار فيه أربع وعشرون ساعة، وعندما يقول الله لنا: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ﴾ [الحج: ٦١] يصبح الليل في ليالي الشتاء قصيراً، ويصبح الليل في الشتاء طويلاً ويصبح النهار قصيرً، وتم ذلك بإدخال وإيلاج الليل في النهار، نقص من الليل وزاده في النهار وأدخله، واليوم الطبيعي اثنا عشر ساعة، والليل مثله، وقد يزيد الليل عن أربع عشرة ساعة، وقد يصل إلى سبع عشرة ساعة، ويعكس في الصيف.
وقوله سبحانه: (يولج) معناه: يدخل، فيدخل الليل في النهار، ويدخل النهار في الليل، فينقص من النهار صيفاً ويدخله في الليل، فيصبح الليل في الشتاء طويلاً والنهار قصيراً، وفي الصيف تكون الليالي قصيرة والنهار طويلاً، ومن هنا يشق الصوم على بعض الناس إن كان رمضان في الصيف، ولكن الله جل جلاله يشاء أن يأتي رمضان تارة قصيراً وتارة طويلاً، حسب الفصل الذي يكون فيه من شتاء أو صيف، وذاك معنى الإيلاج والإدخال.
ومع قصر الليالي والأيام وطولها فالصلاة هي الصلاة والصيام هو الصيام، فالصلوات تكون حسب الشمس، أي: يزيد وقتها أحياناً وينقص، والصيام أيضاً يكون حسب طلوع الفجر وغروب الشمس، ويزيد أيضاً وينقص، ولكن ذلك لا يخرج عن كون الصلاة في اليوم والليلة خمسة فروض، والصيام في السنة شهراً، ابتداء من طلوع الفجر، وانتهاء بغروب الشمس، ذاك حكم الله وأمره في النهار والليل.
ثم قال تعالى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج: ٦١].
أي: سميع لمن دعاه، بصير بالمطيع وبالعاصي، وهذا في معنى التهديد والتبشير، أي: البشارة للمؤمن الملتزم بأن الله يعلم عمله ونيته وصدقه فيها، ويبصر عمله الخالص، كما يعلم ويسمع ويبصر عمل العاصي، فالأول يجازيه بالجنة، والآخر بالنار، فهي بشرى للمؤمن، ونذارة للكافر.