تفسير قوله تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق)
ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [الحج: ٦٢].
أي: ذلك ليعلم المؤمن والكافر بأن الله هو الحق، فالله هو الحق جل جلاله ويأمر به، فأمر بعبادته، وبامتثال أمره واجتناب نهيه، وأرسل رسله مبشرين ومنذرين، وأمر الناس بطاعتهم، وجعل طاعتهم طاعته، ومخالفتهم مخالفته، كما قال سبحانه: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠].
فالحاصل: أن الله جل جلاله أرسل الحق نبياً، وأنزل الحق كتاباً، وجعل الحق ديناً، وما سوى الحق فهو الباطل.
والباطل من الشيطان، وهو يوسوس ويزين الباطل؛ فتنة من الله جل جلاله لعباده، فابتلانا بالخير وبالشر، وابتلانا بالشيطان ليعلم صدق الصادق وكذب الكاذب.
ولذلك فالله جل جلاله هو الحق، وهو من أسماء الله الحسنى، فلنا أن نسمي عبد الحق.
والمؤمن باستمرار في حق منذ أن يخرج لهذا الوجود، وإلى أن يلقى الله، فهو عندما يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قد نطق بالحق، وعندما يقول: الله ربي، ومحمد نبيي، والإسلام ديني، والقرآن إمامي، والمؤمنون إخوتي، والكعبة قبلتي، يكون قد نطق كل هذا الكلمات والفقرات بالحق الملزم.
والباطل هو ما عند غير المسلم، فاليهود في باطل، ودينهم قد نسخته الديانة المحمدية، فأصبح ديناً باطلاً، والتوراة أصلها من الله، ولكن عندما غيروها وبدلوها، وقذفوا فيها الأنبياء، وتهجموا فيها على الذات العلية، وقالوا عن أنفسهم أنهم أبناء الله، وقالوا عن عزير: هو ابن الله، وقالوا عن العجل كذلك، فأصبحوا يعيشون في باطل: كتاباً وديناً ودعوة ونطقاً، وهكذا قل عن كل كافر.
فاليهود في باطل، والنصارى في باطل، والمشركون في باطل، وكل ما سوى الإسلام باطل، وكل ما سوى نبوة محمد ﷺ باطل، إلا ما مضى من نبوة الأنبياء السابقين، وقد أدوا مهمتهم وانتهت.
وهم كانوا رسلاً لأقوام خاصة، ثم نسخت هذه الديانة القومية بالديانة المحمدية العالمية، التي أرسل بها إلى الناس جميعاً، في المشارق والمغارب بيضاً وسوداً وحمراً إلى يوم القيامة، فلا نبي ولا رسول بعده.
وكل دعوة دون الدعوة لله وحده، ودون دعوة محمد خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، النبي الخاتم إلى يوم القيامة، فهي دعوة لغير الله، ولغير دينه، ومن ثم فهي دعوة باطلة شيطانية، فما أوحى بها إلا شياطين الإنس والجن.
ثم قال تعالى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [الحج: ٦٢].
الله أعلى من كل علي، وأكبر من كل كبير، لا أعلى منه مقاماً، ولا قدرة سبحانه، ولذلك شعار المسلم الذي ينطق به في اليوم عشرات المرات في صلاته: الله أكبر.
وتعني كلمة (الله أكبر) ألا يجعل المسلم نفسه كبيراً، فلا كبير إلا الكبير المتعال، وألا يهاب أحداً من الخلق إلا الكبير سبحانه، فمهما هدد بالبشر والطغاة والجبابرة فهو عندما يقول: الله أكبر، يكون قد قال: ربي أكبر من كل طاغية وجبار، ومن كل من يريدني بسوء، أو يقف في طريقي وأنا أدعوا إلى الله، وهكذا المؤمن لا يعمر قلبه إلا بالله، ولا يكبر في نفسه ولا يهاب إلا الله، فحينها يكون مؤمناً حقاً.
وأما عندما يكون ضعيف الإرادة والعقيدة، فتجده يخاف من أي شيء، وإذا أنذر بكلمة ارتعد ولم ينم، وينغص عمره وراحته من أجلها.
وأما العامر قلبه بالله بجلاله وعظمته ففي كل شيء يقول: الله أكبر، والله هو العلي الكبير لا سواه، فليس أحد علياً أو كبيراً إلا الله، ومن يجعله الله علياً كبيراً تبعاً لعلوه وكبريائه وجلالته، فهو كبير عندنا.
فالأنبياء والعلماء والصلحاء كبراء عندنا، ولكن ذلك لما أعطاهم الله، وهو من باب تعظيم شعائر الله الذي هو من تمام التقوى، وتعظيم ما عظمه الله وأكرمه، ولذلك علمنا النبي ﷺ أن نقول: (اللهم ارزقني حبك وحب من يحبك).


الصفحة التالية
Icon