تفسير قوله تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطاناً)
قال تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ [الحج: ٧١].
هؤلاء الكفرة والجاحدون يعبدون من دون الله أوثاناً لا دليل عندهم عليها لا من سلطان ولا من برهان، ولا من حق، ولا من كتاب سماوي، ولا من دعوة نبوية، ولا دليل يتصور، فيعبدون من دون الله ما ليس لهم به علم، ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطاناً، وما لم ينزل الله به آية ودليلاً وبرهاناً وحجة على عبادتهم له، وإشراكهم الله فيه، فهم يعبدون ما دون الله جهلاً وإفكاً وافتراء، إن هي إلا أسماء سموها هم وآباؤهم، ما أنزل الله بها من سلطان من دليل ولا حجة.
﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ [الحج: ٧١] أي: وليس للمشركين أمثال هؤلاء الذين يعبدون إفكاً وأصناماً، والذين يشركون مع الله غيره، والذين لا دليل ولا سلطان لهم من الله، ولا علم لهم بما يصنعون، هؤلاء الظلمة لأنفسهم، والذين لا يؤدون الحق هؤلاء ليس لهم نصير من الله عند حسابهم، وعند عذابهم، وعند عرضهم على الله يوم القيامة، فقد خرجوا للدنيا فرادى وسيأتون كذلك لا معين لهم ولا مساعد، ولا ولي ولا نصير من غضب الله.
وهيهات! أن يتدخل أحد بين الرب والمربوب، وبين العابد والمعبود، فالناس تفر وتقول: نفسي ونفسي! ولا أحد يهتم بأحد لا زوجاً ولا أباً ولا ولداً ولا شيئاً من ذلك، فكما خرجنا من أرحام أمهاتنا فرادى فسنذهب إليه فرادى لا حول لنا ولا طول إلا حول الله وطوله، فينفع آنذاك الموحد الذي مات على التوحيد، وأما من مات على الكفر والشرك فلا نصير له ولا مساعد ولا ولي من الله.