تفسير قوله تعالى: (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير)
قال تعالى: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج: ٧٥].
الله جل جلاله لا يسأل عما يفعل، فيصطفي ويختار رسلاً من الملائكة ورسلاً من الناس، اختار من الملائكة رسلاً الله أعلم بأعدادهم، منهم جبرائيل وهو كبيرهم، ومنهم عزرائيل أرسل لأخذ الأرواح، ومنهم إسرافيل كلف بالنفخ في الصور، وغيرهم.
وهناك رسل الملائكة إلى الناس، فقد كان جبريل يرسل إلى نبينا وإلى الرسل كلهم منذ آدم وإلى خاتمهم نبينا صلوات الله وسلامه عليه.
ومن الناس اصطفى الله آدم لأولاده وذريته، واصطفى إدريس بعده، واصطفى نوحاً وإبراهيم وذريته وسلالته: إسماعيل وإسحاق، واصطفى من سلالة إسحاق أنبياء بني إسرائيل، ومن سلالة إسماعيل نبينا ﷺ إمام الأنبياء وسيد الخلق والبشر عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾ [الحج: ٧٥] وليس الاصطفاء برأي الناس، ولا بهوى الناس ونزواتهم ومحباتهم، فالله يجعل رسالاته حيث شاء، فيرسل من يشاء وإليه عمل كل شيء، وهو القادر على كل شيء: ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ﴾ [الأنبياء: ٢٣]، ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤].
﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج: ٧٥] سميع بأعمالنا وأقوالنا، سميع لمن أعلن التوحيد ودعا إلى التوحيد، وسميع لمن أعلن الشرك ودعا إلى الشرك وعمل به، بصير بأعمالنا، فيجازي كلاً حسب عمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وفي ذكر هذين الاسمين في آخر الآية تهديد ووعيد لأهل الوعيد من أهل النار، وبشرى للمؤمنين المتقين بأن الله يسمع أقوالهم ويبصر أعمالهم، فيجازيهم عليها بالرضا والرحمة ودخول الجنان، قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾ [الحج: ٧٦].
فالله جل جلاله يعلم ما بين أيدينا وما سيتقبل من أعمالنا، ويسمع ويعلم ما نصنعه حالاً، ويعلم ما سنفعله بعد حين ويسمعه ويبصره، يسمع أقوالنا ويعلم أعمالنا مما بين أيدينا ومما هو آت، وما خلفنا مما انتهى وقد عملناه وقلناه، فلا يخفى عليه شيء، فعلمه بالماضي كعلمه بالحاضر والمستقبل لا تخفى عليه خافية جل جلاله.


الصفحة التالية
Icon