تفسير قوله تعالى: (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين)
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [المؤمنون: ٥ - ٦].
أي: إلا حفظ الفروج عن الزوجة التي استباحها المؤمن بكلمة الله ورسوله، وبشاهدي عدل، وبولي وبمهر، فحينذاك فالزواج والنكاح سنة الأنبياء والمرسلين، بل قد يكون الزواج واجباً عند الكثير من الأئمة.
﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [المؤمنون: ٦] الأيمان جمع يمين وهي اليد، وهي كناية عن الإماء المملوكات نتيجة الغزو ضد الكفر فانتصر فيها المسلمون، وأخذوا بناتهم ونساءهم أسرى نتيجة الحرب التي انتصروا فيها، وهذا إن شاء رئيس الدولة والإمام المسلم ذلك ورأى المصلحة في ذلك، فإن لم ير ذلك فلا استعباد ولا أسر، واليوم قد اتفقوا على إلغاء الرقيق ونعم ما فعلوا؛ لأننا في ذلنا وهواننا مع أعدائنا إذا أسرنا منهم الألف فسيأسرون منا المليون، وتكون المصيبة كبيرة والبلية طامة وعظيمة.
إذاً فالأمة تكون نتيجة حرب المسلمين ضد الكفار وليست ضد المسلمين، ولو كان باغياً وشاقاً للعصا فليس في حرب العصاة والبغاة استرقاق، فللمسلم أن يحارب أخاه المسلم ريثما يئوب ويخضع، فإذا خضع فلا يتبع جريح، ولا يغنم غنائم لا من ماله ولا من عياله من باب أولى، وإنما يتخذ الكراع والسلاح، أي: تؤخذ الدواب التي حارب عليها، ويؤخذ السلاح الذي حارب به، وأما المال فلا يؤخذ، وأما النساء فلا يؤسرن، ولا يكون ذلك إلا في القتال مع الكافرين، فإن لم يكن هذا كذلك فهن الحرائر قد أخذن واستبحن زناً وفساداً بما لا يرضي الله، وبما حرفوا فيه الكلم عن مواضعه كتحريف اليهود.
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [المؤمنون: ٥ - ٦] أي: إلا حفظ الفروج على النساء الزوجات وعلى الجواري والإماء الرقيق فإنهم غير ملومين، فلا يلام الإنسان أن يأتي زوجته، بل هذا حق من حقوقها إن لم يفعل فإنها ترفع عليه قضية، فليست هي أخته ولا حريمه، وما جاءت إلا لذلك، وبذلك يتم النسل، وتتابع ذلك إلى يوم يريد الله القضاء على الدنيا وفنائها، فهم لا يلامون ولا يعاتبون ولا يمنعون، بل لهم الحق في ذلك.
فالذي أذن الله به، والذي لا يلوم الله عليه أن تأتي زوجتك في مكان الحرث منها ومكان الولادة، وما سوى ذلك فهو اعتداء وظلم وفساد، عليه التعزير فيه، فتأتي زوجتك في المكان المشروع، والزوجات التي أباح الله هن إلى حدود الأربع.
وأما المحارم فإتيانها جريمة مضاعفة يقتل الفاعل، سواء كان عزباً أو كان محصناً، فمن تجاوز الحرمتين، وقد تزوج رجل امرأة أبيه فأرسل النبي ﷺ له من أتاه برأسه؛ لأن الزواج بامرأة الأب حرام، فهي جريمتان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من تجاوز الحرمتين فاقتلوه)، وبقي ذلك الشرع الواضح لمن تزوج حريمته عن علم بذلك لا عن جهل ولا عن شبهة، من تزوج حريمته فإنه يقتل، ومن أتاها فإنه يقتل؛ لأنه تجاوز أيضاً حرمتين: فالزنا حرام وإتيان الحريم حرام حرمة ثانية، أي: التي حرمت عليه دماً أو رضاعاً.