تفسير قوله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: ٨].
هذه الصفات النبيلة الكريمة وصف الله بها المؤمنين حقاً الذين إن فعلوها استوجبوا الجنة، ولا يجب على الله شيء، ولكنه هو الذي أوجب على نفسه ذلك جل جلاله وعز مقامه، ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ﴾ [المؤمنون: ٨] الأمانات: جمع أمانة، وقرئ بالمفرد (والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون)، والأمانة تختلف فهناك أمانة إلهية، وأمانة بشرية، والأمانة الإلهية هي كل ما ائتمننا الله عليه، فقد ائتمننا على كلمة التوحيد، وائتمننا على ما أمرنا به من صلاة وزكاة ومن فعل الأركان الخمسة جميعها، وعندما نقول: أشهد أن لا إله إلا الله كان عهداً بيننا وبين ربنا والتزاماً بيننا وبين ربنا أن نقوم بالأمانة التي عرضها الله على السموات والأرض فأبينها وأشفقن من حملها وعجزن عن حملها، وحملها الإنسان، فالأمانة هي التوحيد، وهي العبادة والطاعة والعهد.
وكذلك نحن عندما قلنا: لا إله إلا الله فإنها عهد مع الله، وأمانة احتفظنا بها كي نقوم بصفة المؤمن كما وصفه الله، وأن نفعل ذلك جهدنا، كما قال لنا: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ [الحج: ٧٨]، فنبذل الجهد من أنفسنا، ونقوم بذلك قدر طاقتنا وقدرتنا كما أمر الله، ونجتنب ما نهانا الله عنه جميعه دون استثناء، وللضرورات أحكام، والضرورات تبيح المحظورات، ولكل حال حالة، ولكل مقام مقال.
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ﴾ [المؤمنون: ٨] أمانات الناس أمانات إلهية وأمانات بشرية، والأمانات البشرية كالائتمان على الأعراض، والائتمان على الأسرار، والائتمان على المعاملات، والائتمان بينك وبين أخيك المسلم ألا تكذبه وهو يصدقك، وألا تخون ماله وهو قد ائتمنك عليه، وألا تخون عرضه وهو قد وثق بك، وألا تخون ما بينك وبينه بحال من الأحوال، ومن لم يكن كذلك فإنه يكون فيه جزء من النفاق، وجزء من الكفر بكل مخالفات هذه الصفات الكريمة الصفات الإيمانية الإسلامية.
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: ٨] فإذا عاهدت إنسان على شيء فلابد أن تفي به وإلا فإنك تكون قد نقضت العهد، وخرجت على العهد، وارتكبت ما لا يليق بالمسلم ارتكابه، وفعلت ما لا ينبغي للمسلم أن يفعله، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان)، فتجده في وعوده وعهوده مخالفاً، وتجده في أماناته خائناً، وتجده في حديثه كاذباً، وتلك صفات المنافقين، ومن ارتكب منها واحدة كانت فيه خصلة من خصال النفاق، ومن ارتكبها جميعاً اعتبر منافقاً تاماً.