تفسير قوله تعالى: (إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين)
قال الله تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ﴾ [المؤمنون: ٢٥].
بعدما افتروا وقالوا إنه: لم يرسل الله في آبائنا السابقين رسولاً بشراً، وزعموا أنه إنما أراد السؤدد والزعامة والبروز عليهم، وزادوا فكذبوا وقالوا عنه: إنه ينطق بما يدل على جنونه وعلى عدم عقله، فتربصوا وانتظروا به إلى أن يموت، وما كانوا يظنون وهم يتمنون ويتربصون بنوح الدوائر أنهم هم سيموتون شر ميتة، فلا يبقى لهم بلد ولا اسم ولا ذكر إلا أحاديث يتحدث بها السمار في المجالس كقصص الأولين، فانتقلوا عن كونهم أناساً أحياء إلى قوم قد فنوا وقتلوا شر قتلة، وأصبح الناس يتخذونهم قصصاً وسمراً.
((إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ)) أي: به حمق وجنون.
((فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ)) أي: انتظروا به فسيموت يوماً وتبقى لكم أصنامكم وتبقى لكم دياناتكم وعقائدكم، ومن سخف المشركين وضياع عقولهم أنهم قبلوا أن يكون الحجر إلهاً ومعبوداً واستبعدوا عن بشر أن يكون نبياً رسولاً، فمن الذي يقبل هذا ويجعله حقيقة مسلمة يدافع ويقاتل من أجلها ولو ذهبوا مع الذاهبين وهلكوا مع الهالكين؟! أنكروا على نوح -وهو بشر- أن يكون نبياً رسولاً، وهم في ذات الوقت قد آمنوا واعتقدوا في الحجر أنه إله يعبدونه دون الله ومع الله، أهناك سخافات في العقول وضلال في النفوس أكثر من هذا؟!


الصفحة التالية
Icon