تفسير قوله تعالى: (قال رب انصرني بما كذبون)
قال الله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ﴾ [المؤمنون: ٢٦].
أي: قال نوح ذلك عندما بهته قومه، وبعد أن انتظر بهم القرون تتبعها القرون وهم بين مكذب ومستهزئ ومشرك مصر على الشرك.
(فقال الملأ) الملأ: هم أشراف القوم وقادتهم وزعماؤهم، وهم الذين يكونون عادة أهل الكفر وأهل الشقاق وأهل الاستعلاء على أهل الحق من الأنبياء والرسل والدعاة إلى الله، فيأخذهم الغرور بما أكرمهم الله به من صحة وجاه وملك وسلطان ومال ورفاهية ونعمة، ويبقى هؤلاء المساكين الذين إذا حضروا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، يبقون هم أهل الحق إلى أن يسودوا بعد ذلك، وكما قال نبينا عليه الصلاة والسلام عن دين الإسلام: (يرفع الله به قوماً ويضع به آخرين)، وكما هو وصف الحال في كل الأديان جميعاً فهؤلاء الذين اعتبروهم أقلهم واعتبروهم دونهم كانوا هم السادة والقادة، وكانوا هم الأئمة، وكانوا هم المبلغين عن الله وعن رسل الله، وذل أولئك وحقروا في الدنيا قبل الآخرة.
((قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ)) قال نوح: يا رب انصرني على هؤلاء؛ بسبب كذبهم وتكذيبهم، كذبهم علي فيما زعموه من جنة، وتكذيبهم للحق حين جاءهم، فانصرني عليهم، واكشف حالهم، وعاقبهم بما أنت أهل له، وأظهرني عليهم، ومكني من رقابهم بما أنت وحدك تقدر عليه؛ لأن الناس كلهم أبوا إلا الشرك والكفر والعصيان، وإذا بالله الكريم يستجيب له بعد اصطباره وبعد محنته مع قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً.


الصفحة التالية
Icon