تفسير قوله تعالى: (حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب)
قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٤].
فهؤلاء الذين يعيشون حياتهم كلها مصرين على الكفر ومصممين على الشرك، يأبون إلا الجحود وإلا حرب الله ورسوله والمؤمنين، فهؤلاء يبقون هكذا إلى أن يأخذ الله أغنياءهم وكبراءهم ومترفيهم في الدنيا قبل الآخرة، وقد كانوا في نعم وترف، فما زادهم الإنعام ولا زادهم الترف ولا زادهم الجاه إلا جحوداً وكفراناً، ومن يكفر بالنعمة جدير أن يسلبها، ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: ٧]، والعذاب على الكفران بالنعمة سلبها وزوالها.
وهكذا سلط الله على الأغنياء والمترفين والمنعمين عندما أكلوا أموال الفقراء والمساكين، ولم يؤدوا الزكاة الواجبة، ولم يؤدوا حق السائل ولا حق المحروم، فسلط عليهم من يأخذ أموالهم ويصادر أملاكهم، ويذلهم مع ذلك جزاء وفاقاً لما كفروا بالنعمة.
حتى قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ﴾ [المؤمنون: ٦٤] أي: حتى إذا أخذ الله هؤلاء المترفين -من الترف والعيشة في بذخ وفي غنى- حتى إذا أخذ الله هؤلاء المترفين والأغنياء بالعذاب: بأن نزع عنهم أموالهم، وأزال عنهم صحتهم، وأزال عزهم وجاههم وسلطانهم، ﴿إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٤] أي: يصيحون ويستغيثون، فحينئذٍ يتذكرون الرب، فيأخذون في الاستغاثة، فيستغيثون بالله إن كانت لا تزال عندهم بقية من إيمان، وقد لا يستغيثون إلا بالشيطان إذ كانوا كافرين في الأصل لا يؤمنون بدين، ولا برب، ولا بنبي، فيبقون على كفرهم.
((حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ)) ففي هذه الحالة ينسون كفرهم وشركهم وجرائمهم، وإذا بهم يصرخون ويجأرون ويستغيثون، ولا مغيث ولا صارخ إن هو إلا العذاب الذي حق عليهم جزاء أعمالهم وجزاء كفرهم.


الصفحة التالية
Icon