تفسير قوله تعالى: (أم تسألهم خرجاً فخراج ربك خير)
﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [المؤمنون: ٧٢].
أي: يا محمد أم أكثرت عليهم وأثقلت كواهلهم وطلبت مالاً وأجراً على ما هديتهم إليه، فهو استفهام إنكاري قرعهم به وهو غير موجود، ولكن قال لهم: هل أنتم طولبتم بمال وبأجرة على كون محمد جاع من أجلكم وسهر من أجلكم وجرح من أجلكم وتحمل من أجلكم وكان حريصاً عليكم، وكان يحزنه ألا تؤمنوا، وكان عزيزاً عليه كفركم وجحودكم وبعدكم عن الإسلام؟ كلا، ومع كل هذا أبيتم إلا قتاله وإلا جحود هدى الله إلا من رحمه الله، وقد تم ذلك بعد ذلك: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٨].
﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا﴾ [الطور: ٤٠] وهذا لم يحدث، فهو أيضاً استفهام إنكاري يقرعهم الله به ويوبخهم، فهل فررتم من دنانير ودراهم وأجرة على هذا الدين؟ فهذا لم يكن كذلك.
((أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا)) أي: أجرة وشيئاً مضروباً عليكم كضريبة مقابل الهداية والإسلام.
((أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا)) أم تسألهم يا محمد خرجاً، ((فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ)) وأجرة ربك خير لك، وثواب ربك خير لك، ومن هنا حرم ﷺ الصدقة والزكاة على أهل بيته؛ حتى لا يقول المشركون: قد شرع في دينه ما يغني أتباعه وأولاده وأسرته، كالأسر الحاكمة عادة، فالله لأجل ذلك حرم ذلك ألبتة، وما كانوا يأخذون إلا ما تأخذه سيوفهم حرباً ونصلاً وغلاباً من غنائم وفيء، وذاك ليس لأحد الحق أن يمتن فيه؛ فلم يؤخذ من المسلمين، وإنما أخذ من الكافرين بعد أن ذلوا، فوزعت أموالهم، وغنم فيؤهم لهؤلاء المجاهدين والمقاتلين والمحاربين.
((أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ)) قرئ: (أم تسألهم خراجاً) والمعنى واحد، وهي من القراءات السبع المتواترة، ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ فلست في حاجة إلى مالهم ولا أوساخ أيديهم، فجعل الله رزق نبيه قبل النبوءة بالعمل، ففي الطفولة برعاية الغنم، فقد رعى الأنبياء جميعاً، وعند شبابه كان تاجراً في مال خديجة مضاربة، ووجد حصته بعرق جبينه وبكد يمينه صلى الله عليه وسلم، وبعد النبوءة قاتل وجاهد وكان على رأس المحاربين، فغنم الغنائم التي حللها الله للمؤمنين والمجاهدين والمسلمين، وجعل الكافرين ليسوا أهلاً لا لبلد ولا لتملكهم، فملك أرضهم وأموالهم حتى نساءهم وبناتهم إلى الفاتحين والمجاهدين، ((وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)).