تفسير قوله تعالى: (بل قالوا مثل ما قال الأولون)
قال تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ * قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ [المؤمنون: ٨١ - ٨٢].
يذكر الله الكفرة الجدد الذين عاصرهم نبينا ﷺ وقد أنكروا كل شيء: وأنكروا الوجود والخلق والربوبية والألوهية، وجعلوا لها شركاء من خلق الله، ومن الحيوانات ومن الجمادات، فالله جل جلاله قال لنبيه: قل لهم، وعلم نبيه ليعلمهم، وبلغه ليبلغهم، فما ازداد أكثرهم إلا إصراراً على الكفر، كان ذاك ولا يزال، فالقرآن نحن مخاطبون به كما خوطب به الآباء والأجداد منذ ألف وأربعمائة عام في مختلف بقاع الأرض، وليس محمد نبي العرب فقط، بل نبي الأبيض والأسود، والأحمر والأصفر، وهو خاتم الأنبياء، وقد أرسل للمشارق والمغارب، فجميع الأنبياء ذهبت نبوءاتهم بموتهم، وانتهت بتبليغ عشائرهم وأقوامهم، وأما نبينا ﷺ فهو النبي المستمر، فلا نبوة ولا رسالة بعده، ورسالته قائمة، ومن أنكرها من الإنس والجان فعليه العذاب واللعنة والغضب.
﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ﴾ [المؤمنون: ٨١] أي: كانوا رجعيين، فقد رجعوا إلى مقولة الكفار السابقين من قوم نوح وقوم إبراهيم، ومن زعموا أنهم نصارى، ومن الملاحدة والكفرة، فقال هؤلاء ما قال الأولون، فأنكروا أبرز شيء في الأديان وأظهر شيء في الأديان: ﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ﴾ [المؤمنون: ٨١]، وأعاد الله (قالوا) للتنويه والإشادة، وبدل الكلام السابق، ﴿قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٢]، فيفخرون ويستفهمون استفهاماً إنكارياً، ويقولون: اسمعوا يا جماعة! هل يتصور أننا بعد أن نصبح تراباً وعظاماً نخرة، وبعد أن تخرج منا الروح أن نعود إلى للحياة مرة أخرى؟ أنبعث بعد الموت؟ أيجتمع التراب ويعود بشراً سوياً كما كان؟ وقد ذكر الله في غير هذه الآية أنهم قالوا وهم يتساءلون: كيف يحيي الله الموتى؟ فقال الله: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس: ٧٩]، فالله الذي أوجدنا من عدم وابتكرنا على غير مثال سابق، أقدر عليه وأسهل أن يعيدنا من تراب، وكل شيء سهل عليه جل جلاله، فما دمنا قد آمنا بالواقع، وأنا قد أوجدنا، وأننا لم نكن، ونرى يومياً تزاوج ذكراً بأنثى لا ولد لهذا ولا ولد لهذه، وإذا بعد السنة يأتوننا بطفل، فمن صنعه؟ أشهوتهم صنعت ذلك المخلوق؟ وهل كان لهم علم به؟ هل سعوا في أجله؟ هيهات، ثم هكذا يكبر الطفل ويشب ويصبح كهلاً، ثم يصبح شيخاً، وهكذا يعود إلى التراب، فإذا خلقه الله من عدم أليس قادراً على أن يعيده بعد أن أوجده المرة الأولى؟ بلى، فأخذوا يتساءلون ساخرين مستفسرين.
﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ * قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا﴾ [المؤمنون: ٨١ - ٨٢] أي: هلكنا وانتهينا من الدنيا.
﴿قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا﴾ [المؤمنون: ٨٢] أي: أصبحنا فناءً.