تفسير قوله تعالى: (لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل)
﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ﴾ [المؤمنون: ٨١].
أي: أنبعث مرة أخرى، وأيضاً يستفهمون مستنكرين: ﴿أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٢]، قالوا: ﴿لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ [المؤمنون: ٨٣].
فهكذا جاء الأنبياء قبل محمد ﷺ وقد سمعوا بهم، فجاء موسى فقال ذلك، وجاء عيسى وقال ذلك، وجاء أنبياء بني إسرائيل فقالوا ذلك، وجاء الخليل إبراهيم فقال ذلك، قاله جميع الأنبياء لأقوامهم، وإذا بهؤلاء يقولون: أين الذي قالوه؟ ولماذا لم نبعث؟ فنقول: إن ذلك متى أراد الله لا متى أردتم أنتم، فهل انتهى الجسم البشري؟ وهل انتهت الحياة على الأرض؟ وهل دهدهت السماوات والأرض فأصبحت عهناً منفوشاً كأنها لم تكن؟ لم يكن هذا بعد، ولا يعلم الساعة ولا وقتها ولا زمنها إلا الله، وعندما جاء جبريل عليه وعلى نبينا السلام ليعلم الصحابة سأل النبي ﷺ عن الإيمان، وسأله عن الإحسان، ثم أخذه يسأله: (متى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل).
فلا يعلم الساعة تعيينا ولا وقتاً إلا الله، نعم تعلم علاماتها وأشراطها، وقد أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام وأخبرنا الله عن ذلك في كتابه، ولها شرائط صغيرة، ولها شرائط كبيرة، ومن الشروط الأولى الصغرى: البعثة المحمدية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت أنا والساعة كهاتين؛ وأشار بسبابته وبالوسطى من أصابعه) أي: ما بيني وبين الساعة كما بين السبابة والوسطى، وكم مضى من السبابة؟ أيضاً لا نعلم، فلو علمنا كم مضى لعلمنا كم بقي، ولكن الذي نعلمه أن نبينا خاتم الأنبياء فلا نبي بعده، ولذلك كان وجوده وبروز نبوءته هو العلامة الأولى الصغرى لقيام الساعة، وأجدادنا في التاريخ تخاصموا وكتبوا الكتب، وتجادلوا في قيام الساعة، فقال بعضهم: إنه سيكون من البعثة المحمدية إلى قيام الساعة ألف عام، وقال البعض: ثلاثمائة عام، وقال البعض بعد مائة عام، وكتب السيوطي في ذلك كتاباً، واحتج على أولئك فقال: سنتمم ألف سنة، فتمت ألف سنة ومضى بعدها أربعمائة سنة وسنة أيضاً، وستبقى قرون للدنيا؛ لأن العلامات الكبرى لم تبدو بعد، فلن تقوم الساعة وعلى وجه الأرض أحد يقول: ربي الله، ولا تزال ربي الله تقال في مشارق الأرض ومغاربها حتى في بلاد الكفر، فما من رقعة من بلاد الكفر إلا وفيها مؤمنون يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولهم مساجد يصلون فيها، ويعتكفون، ويصومون، دعك من أرض الإسلام التي تعد ملياراً من البشر.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لن تقوم الساعة إلا على لكع ابن لكع) أي: على مشرك خبيث ابن مشرك خبيث، أي: سيطول الزمان في الشرك إلى أجيال: آباء وأبناء وأجداد.
ونقول: قد ابتدأ هذا، ومع ذلك لا تزال المسافة طويلة جداً، ومهما قلنا: عصى آل فلان، أو الشعب الفلاني، أو الدولة الفلانية، فلا تزال بيوت الله ومساجد المسلمين في كل أرض، ونجد المصلين والعاكفين والعابدين، ونجد الزاهدين، وهيهات أن ينقضي هذا بجيل أو جيلين، أو قرن أو قرنين.
﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ * قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ [المؤمنون: ٨١ - ٨٢]، وإذا بالله الكريم يقول لنبيه: قل لهؤلاء وحاورهم: ﴿قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٤] أي: سلهم وقل لهم: هذه الأرض التي أنتم عليها، وما عليها من إنسان وحيوان وجن، ومن بحار وهضاب وخيرات وأرزاق لمن هي؟ ومن مالكها؟


الصفحة التالية
Icon