تفسير قوله تعالى: (قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم)
ثم قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٦ - ٨٧].
سألهم مرة أخرى، فسألهم أولاً عن الأرض فاعترفوا بأن الله مالكها، وبأن الله خالقها، فقال الله لعبده ونبيه صلى الله عليه وسلم: سلهم مرة أخرى: من رب السماوات السبع؟ هذه المخلوقات العالية الشامخة لمن هي ومن خلقها؟ ومن رب العرش العظيم؟ ومن صاحبه ومن إلهه ومن خالقه؟ ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٧].
فمرة أخرى اعترفوا وأقروا بأنه كما كانت الأرض ملكه، وما كانت ملكه حتى كانت خلقه، كذلك السماوات السبع وما فيهن، وكذلك أعظم خلق الله وهو العرش العظيم، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهن مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض، وما الكرسي أمام العرش إلا كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض).
ولذلك قال الله: (العرش العظيم) أي: الكبير الذي لا تكاد العقول تصل إليه، وهو كالقبة بالنسبة للمخلوقات من كائنات الكون كله، وهو مستدير كبقية المخلوقات جميعاً، ككروية الأرض وكروية السماء، وهذا ما أجمع عليه المسلمون منذ العصور الأولى كما ذكره ابن حزم وابن تيمية والغزالي وابن القيم ونقلوا الإجماع على ذلك.
فالنبي عليه الصلاة والسلام عندما ذكر العرش أشار بيده هكذا، قال الصحابة: أشار كالقبة فوق هذه الكائنات والمخلوقات، وهم يسمعون بالعرش، ومع ذلك لما سألهم نبينا ﷺ كما أمره ربه: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٦ - ٨٧] فما دمتم تعترفون وتؤمنون بذلك ألا تخافون الله؟ ألا تتقونه من عذابه ومن نقمته ومن غضبه؟ ألا تصدقون نبيكم؟ ألا تصدقون كتاب ربكم؟ أتكذبون الأنبياء كما كذب من سبقكم أنبياءهم؟ أهذا منطق العقل ومنطق الفهم ومنطق الإدراك؟ هيهات، فهم كالأنعام بل هم أضل.