تفسير قوله تعالى: (تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون)
وهم في النار ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٤].
(تلفح) أي: تصيب وتضرب وتحرق وتشوه، ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٤] أي: عابسون مشوهو الخلقة، وقد وصفوا كما في آثار للصحابة وآثار نبوية وردت: أن الواحد منهم وهو وفي النار تتقلص شفته العليا إلى أن تكاد تغطي وجهه إلى رأسه، وشفته السفلى تتدلى إلى أن تصل إلى سرته، وتبرز أسنانه وأنيابه ويصبح في صورة مشوهه؛ بسبب غضب الله، وما صنعوه في دنياهم من شرك وكفر، فهم الآن يجازون عليه.
﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٤] أي: مقلصو الشفتين ومشوهو الخلقة، نعوذ بالله من حالهم، ونرجو الله تعالى رحمته ورضاه، وأن يعيذنا من ذلك كله، وأن يحيينا على الإسلام، وأن يميتنا على الإسلام رحمة منه وفضلاً وكرماً.
وهم على هذه الحالة في جهنم كالحون، يقول الله جل جلاله لهم: ﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٥]، فلا تلوموا إلا أنفسكم، فقد أحييتكم دهراً، وأعطيتكم وعياً، وأعطيتكم بصراً، وأعطيتكم سمعاً، وأعطيتكم قلباً لتفقهوا به ومع ذلك لم تستفيدوا من كل ذلك، فما زدتم إلا إصراراً على الشرك والكفر، والآن وجدتم نتيجة عملكم وكفركم، فلا تلوموا إلا أنفسكم.
﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي﴾ [المؤمنون: ١٠٥] وهذا استفهام تقريعي توبيخي، أي: يا هؤلاء! وهم يوبخون: ﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي﴾ [المؤمنون: ١٠٥] كتابي وقدرتي، ومعجزات أنبيائي ترونها بالأبصار، وتسمعونها بالآذان، وتعون الحكمة منها، وتدركونها بقلوبكم، ﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المؤمنون: ١٠٥] تسمعونها بوعي وبفهم، ولكنكم عن كل ذلك معرضون، ﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٥]، فكذبتم بربكم وكتابه، وأشركتم به، وكذبتم بنبيكم ولم تؤمنوا به، وأنكرتم معجزاته، وأنكرتم ما جاءكم به عن الله.


الصفحة التالية
Icon