معنى قوله تعالى: (فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)
يقول الله جل جلاله: ﴿فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢].
أي: اضربوهما وأدبوهما بأن يجلد كل واحد منهما مائة جلدة، وكيف يكون الجلد؟ يكون الجلد بعصاً أو بجلد لا يكسر عظماً، ولا يجرح لحماً، ولكن بما يؤلم وبما يوجع، والجمهور على أن يجلد الزناة قائمين، ويضربون على كل عضو إلا المقاتل، فيتقي الوجه والرأس ومكان العفة قبلاً ودبراً، وفيما عدا ذلك يضرب على الظهر، ويضرب على الألية، ويضرب على الأظفار ويضرب على السيقان، ويضرب على البطن بما يوجعه ويؤلمه دون أن يجرح أو يكسر.
وجلد عمر مرة إنساناً على الرأس وكان يسأل أسئلة تتحول للشرك، واسمه صبيغ بن عسل، ولكن ذلك كان مبالغة في الزجر، ولم تكن الضربات إلا عدداً يسيراً لا مائة جلدة.
وابن عمر أقام الحد يوماً على إحدى إمائه وقد زنت، وكان ابنه واقفاً يراه فقال له: يا أبت إنك لا تضرب؛ لقد أخذتك بها رأفة! قال: يا بني لم نؤمر بقتلهم، ولكن أمرنا بجلدهم.
أي: فأنا أجلدها حتى الوجع والإيلام.
قال تعالى: ﴿وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ [النور: ٢].
والمراد هنا بالرأفة: الشفقة والحنان على الزانية والزاني، والمراد: لا تضربوهما ضرباً خفيفاً كمن يلاعب ولداً أو يلاعب زوجة، ولكن اضربوهما ضرباً موجعاً، يتألمان منه الأيام المتوالية؛ غير ألا تجرحوا لحماً ولا تكسروا عظماً.
وأما الشفقة الطبيعية فلا مانع منها، وليس في إمكان الإنسان أن يمنعها، فقد جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: إنني لأذبح الشاة وأنا أرحمها، فقال: (لك بذلك أجر).
وليس معناه: أنه رحمها وأشفق عليها فلم يأكلها؛ لأن ذاك عمل المجوس، ولم يخلق الله هذه الأنعام إلا لنا لنتمتع بها، ولنأكل لحمها حلالاً طيباً إذا ذكر اسم الله عليها.
وهكذا فما منعه الله هو: ﴿وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ [النور: ٢].
وليس معناه: ألا تضربوهما، بل اضربوهم ضرباً مؤلماً موجعاً، لا ضرب من يغازل ويلاعب، أي: لا تصل بكم الرأفة إلى ألا يكون هناك أثر لهذه العقوبة ولهذا الحد.


الصفحة التالية
Icon