معنى قوله تعالى: (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)
ثم قال تعالى: ﴿إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [النور: ٢].
أي: إن كنتم حقاً مؤمنين فيجب أن تلتزموا بأوامر الله، وبأن تتركوا نواهي الله، ولو كان الحد على ولد، وعلى قريب، وعلى أب، وعلى زوجة، وعلى أي كان فلابد أن تقام الحدود، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (حد يقام في الأرض خير من أربعين يوماً تمطر فيه الأرض).
ولو أقيمت الحدود كما يجب لقلت الكثير من الجرائم، والكثير من الفساد في الأرض، وكمثل نضربه في بلدنا هذا المقدس الذي لا يزال يقيم الحدود في بعض أحكامها وأشكالها، نجد السرقة في جميع بلاد الله لا يكاد يخلو منها مكان صباحاً ومساءً، فلا يأمن الإنسان على مال في أرض، ولا في بيت ولا على عرض، وإذا عاقبوا لا يزيدون على أكثر من أن تسجنه الدولة مدة، وبهذا تضيع أموال المسلمين عبثاً، ولا يوجد السجن في الإسلام إلا بأشياء لا تكاد تذكر، كأن يوقف ليبحث عنه، ولا يتجاوز ذلك أياماً فإن طالت فأسابيع، ولا يكون السجن المؤبد إلا في حالتين وليس هو عند كل المذاهب: فعند الأحناف إذا امتنع المصلي المسلم من الصلاة فإنه يسجن إلى نهاية وقتها، فإن صلى أطلق سراحه، وإن لم يصل بقي في السجن إلى الصلاة أو الموت.
وكذلك يكون السجن المؤبد في حال القتل فيما قال عنه صلى الله عليه وسلم: (اقتلوا القاتل وأمسكوا الممسك) فإذا اشترك شخصان أحدهما حبس القتيل أو أمسكه، والآخر نفذ القتل فالقاتل يقتل، والممسك يسجن إلى الأبد حتى الموت.
وأما هذه الآلاف التي تعمر السجون في ديار الإسلام حتى تفسد أخلاقها، وينتشر بينهم ما لا يليق بين المسلمين من فسوق، وتصرف عليهم أموال طائلة وحراسة شديدة، فهذه كلها تنفق من بيت مال المسلمين ظلماً وعدواناً، وليس في ذلك أي حق إضافة إلى أنه مخالفة لأمر الله، وعصيان في ترك الحدود، ولا يليق ذلك بدولة إسلامية بحال من الأحوال.
وأما الديون التي يسجن فيها الكثيرون فلا يخلو: إما أن يكون المدين عامر الذمة له مال، وإما ألا يكون له مال، فإن كان له مال فيجب أن يؤدي المال قهراً وغلاباً، فإن لم يفعل بيع ماله حتى مسكنه لأداء الدين، ولا حاجة للسجن، وإن كان لا مال له فقد قال الله جل جلاله: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠]، فينتظر به إلى أن يغنيه الله فيؤدي.
قال تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ [النور: ٢] أي: في حكم الله وفي حد الله.
﴿إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [النور: ٢] ولفظة (تؤمنون) لا تكاد تفهم إلا في عصرنا الفاسد، فنزعم أننا مسلمون ومع ذلك تبيح قوانيننا في أكثر ديار الإسلام أنواعاً من الزنا والفسوق والعصيان، بل تعطى الزانية رخصة للزنا، وهي تعيش بالزنا، فهناك قوانين كفر استوردت من بلاد الكفر فتبناها المسلمون، وامتلأت بها ما تسمى كليات الحقوق، ومجالس الدولة، ويقوم مدعي الدولة والمحامون وما إلى ذلك ليدافعوا عن هذا القانون المجرم، وعن هذه المواد القانونية الفاسدة التي تنشر الكفر والمخالفة والفساد والفجور في الأرض، فيقولون عن البنت إذا ملكت أمرها وبلغت سن الرشد إن عرضها لها تؤديه لمن شاءت، ويقولون عن الزوجة: لها أن تسلم عرضها لمن شاءت، ولا حق لأحد في المعارضة إلا زوجها، فإن لم يعارض فقد أذن لها.
وللرجل أن يخالل من شاء وهو مسلم وهي مسلمة، فإذا رفعت به قضية يقول القاضي والوزير والحاكم في أكثر ديار الإسلام: أنت تخالف القانون الذي أعطاها حريتها وأعطاه حريته، ولذلك عندما نقرأ الآن: ﴿إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [النور: ٢] فما أشد وقعها، وما أصدق معناها، أي: هؤلاء يزعمون أنهم مسلمون ومع ذلك لا يقيمون حداً على زانية ولا زانٍ، ولو كانوا مؤمنين حقاً لكان كتاب الله واجب الطاعة في كل ما أمر به، واجب الطاعة في ترك كل ما نهى عنه، وعندما لم يفعلوا ذلك دخلوا في قوله تعالى: ﴿إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [النور: ٢] أي: إن لم يفعلوا فلا يكون إيمانهم صحيحاً، وبالتالي لا يكون تاماً ولا كاملاً بحال من الأحوال.