تفسير قوله تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة)
قال الله جل جلاله: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٤].
لا نزال مع فرحة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث أكرمها الله بعد أسابيع قاسية شديدة من الاتهام والكلام الباطل من المغفلين والمنافقين، إلى أن برأها الله جل جلاله من فوق سبع سموات، وفرض على المنافقين وعلى المغفلين بأن يحدوا الحد اللازم؛ لأنهم قالوا ما لم تر أعينهم، ولم يحضره شهودهم، فاستحقوا بذلك ثمانين جلدة: ﴿جَزَاءً وِفَاقًا﴾ [النبأ: ٢٦].
مع فضيحتهم بذلك أمام المؤمنين، وبذلك يكون ما قالت عائشة: لقد كانت نفسي أقل علي وأحقر من أن أبرأ بوحي ينزل من السماء، وآيات تتلى في سبيلي إلى يوم البعث والنشور، وكل ما كنت أنتظر أن يرى رسول الله ﷺ رؤيا يبرئني الله فيها، ويظهر حقي وعفتي وشرفي.
فنحن لا نزال في سياق الآيات النازلة في تبرئة عرض الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمنا أم المؤمنين عائشة، وقدسية النبوءة والرسالة، وما أوجب الله في ذلك من حد وعقوبة وفضيحة.
قال تعالى بعد ذلك: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٤].
أي: لولا فضل الله أنه اكتفى بأن يعاقب المؤمن المغفل منكم ثمانين جلدة، وأن يعلن ذلك بمحضر طائفة من المؤمنين؛ لولا ذلك ﴿لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٤].
قوله: (أفضتم فيه): أي: تجمعتم من أجله، وروى بعضكم عن بعض باطلاً، فروى ما لم ير، ونقل ما سمع من غير تثبت، ومن غير حقيقة، ومن غير واقع، فلولا فضل الله واكتفاؤه بالجلدات الثمانين لمسكم في هذا الحديث وهذا البهتان عذاب أليم في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا بالجلد ثمانين جلدة، وقد كان ذلك، وفي الآخرة بألا تغفر ذنوبهم، وبأن يعاقبوا بالنار والنكال، ولعذاب الله أشد وأنكى.
هذا بالنسبة للمؤمنين، فإن الله رحمهم، وتفضل عليهم، وأما بالنسبة للمنافقين فلا فضل ولا رحمة ما لم يؤمنوا بالله، ويعلنوا توحيد الله، ويزيلوا النفاق من نفوسهم، فحُدَّ من حُدَّ من المؤمنين الذين استغفلوا، ثم تاب الله عليهم، وحد عبد الله بن أبي ابن سلول فكان عذاباً في الدنيا وفضيحة، ولعذاب الله أشد وأنكى يوم القيامة، إذ لا توبة لكافر يوم القيامة.