تفسير قوله تعالى: (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا)
قال تعالى: ﴿وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٦].
قال لهؤلاء المتكلمين القاذفين ممن جمعوا وجلدوا: أين ذهبت عقولكم؟ كان ينبغي عليكم وأنتم المؤمنون الصالحون، وفيكم المهاجرون والأنصار، وفيكم من حضر عزوة بدر، أما كان يليق بكم والأجدر بدينكم: ﴿وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا﴾ [النور: ١٦].
أي: لا يليق بنا ولا يجدر بنا ولا يجوز لنا أن نتكلم بهذه الفاحشة في عموم المسلمين، فكيف بأم المؤمنين!! فليس مما يليق بمؤمن ومسلم يجل نبيه، ويكرم أمهات المؤمنين أن يعيد كلاماً لم تره عينه، ولم تتأكد منه نفسه، فيذهب فيلقي الكلام على عواهنه، ويتلاعب بالأعراض الطاهرة والأعراض العفيفة البريئة.
دخلت أم أيوب زوجة أبي أيوب الأنصاري على زوجها فقالت: أسمعت يا أبا أبوب ما يقول الناس في عائشة؟ فوضع يده على فيها وأسكتها، وقال: اسكتي! ولو ذكرت لكانت من القاذفات، ولجلدت.
فسمع الكلام ولم يكرر، وقال: بمجرد ما أشارت: ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٦].
فكان من دينه ككل الصحابة الذين سمعوا هذا هو أنهم ظنوا خيراً.
قوله: ﴿وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ﴾ [النور: ١٦].
ينزه الله نفسه ويقدسها عن أن يكون له نبي ينتهك عرضه، هكذا فسر الآية أقوام، وقال البغوي: (سبحانك) هنا للتعجب، وهي تقال عادة في لغة العرب كذلك؛ يعجب الله كيف أن هؤلاء مع إيمانهم ودينهم وصلاحهم يتسلل إليهم مثل هذا القول، فيعيدونه ويسمرون عليه، ولا يتذكرون العاقبة من هذا القول فيقولون: ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٦].
والبهتان هو الافتراء على الله بالكذب الذي لا حقيقة له لا إشارة ولا تلويحاً ولا تصريحاً، لا من جهة عائشة، ولا من خلقها، ولا من بيتها، ولا من أمها، ولا من أبيها.
فكان الأجدر أن تجل عائشة عند هؤلاء وتحترم، وتذكر بالصالحات، لمقامها في نفسها، ولمقامها من أبيها، ولمقامها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هؤلاء لبلاهتهم تكلموا في ذلك، ويوم يكثر هذا في الصالحين فيتكلمون بالقول ولا يلقون له بالا، ويحسبونه هيناً كما قال ربنا وهو عند الله عظيم، فإنه مفتاح شر عظيم.


الصفحة التالية
Icon