بينهما (١). وإنما يتفاوت الناس في إدراك ذلك منه على حسب ما عندهم من قوة علم، وصدق بصيرة، وحسن إخلاص.
فعلينا- إذن- أن يكون أول فزعنا في الفرق والفصل إليه.
وأن يكون أول جهدنا في استجلاء ذلك من نصوصه ومراميه، مستعينين بالسنة القولية والعملية على استخراج لَآلِيه.
فإذا حكم قبلنا وسلمنا وكنا مع ما حكم له، وفارقنا ما حكم عليه؛ فالله سماه الفرقان، لنعلم أنه فارق بنفسه، ولنعمل بالفرق به، ولا يكمل إيماننا بأنه الفرقان، إلاّ بالعلم والعمل.
ولما جعل- تعالى- غاية تنزيل الفرقان أن يكون عبده نذيراً، اقتضى ذلك أن نذارته تكون بالقرآن؛ لتقوم الحجة، وتتم الحكمة، وتحصل الفائدة وتشمل النعمة.
وقد صرح بهذا في قوله تعالى:
﴿كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ﴾ [الأعراف: ٢].
﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: ١٩].
﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ﴾ [النمل: ٩١، ٩٢].
﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق: ٤٥].
﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٦].
فعلينا- إذن- أن نعلم أن القرآن هو كتاب النذارة والهداية، فنستخرج أصولها وفنونها من آياته، وهذا حظ العلم، وأن يكون اهتداؤنا في أنفسنا وهدينا لغيرنا به وهذا حظ العمل وهما ركنا الإيمان.
...
تطبيق وتحاكم:
في العالم الإسلامي كله اليوم طائفتان من المؤمنين (٢)، يتنازعان خطة الهداية والنذارة والتذكير.
ولكل منهما- في سلوكها للقيام بتلك الخطة- سبيل.
وكل منهما تدعي أنها على الصواب، وأنها الأحق والأولى بنفع العباد.
(٢) يشير إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وما يشبهها، وإلى الطرقية المبتدعة (عن حاشية المطبوع: ص٢٤٩).