٣ - وأما غباوتهم: فإنهم لغلبة الجسمانيات على حسهم وإهمالهم استعمال عقولهم، لم يتفطنوا للكمال المشاهد الذي امتاز به الرسل بين أقوامهم.
تعليم:
هذه العلل التي صدر اعتراض المعترضين عنها، قد علمنا الله تعالى في كتابه العزيز ما يعصمنا منها:
١ - فعلمنا: أن الإنسان مستعد لأن تخضع له العوالم بما فيه من روح الله.
وأنه يلتحق بعالم الملائكة الأطهار بتلك الروح عندما تكون على أصل طهرها وقدسها.
علمنا هذا بقوله تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [ص: ٢٣]. فأخضع له ملائكته أشرف العوالم.
وبقوله تعالى: ﴿قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾ [البقرة: ٣٣]. فاتصل بهم، وخاطبهم، وعلمهم.
فلا عجب أن يأتي المماثلون له من أبنائه في طهره وعصمته على سنته في الاتصال بالملائكة، ومخاطبتهم.
٢ - وعلمنا: أن الرسول لا يكون إلاّ من جنس المرسل إليهم، ليحصل الاتصال، ويمكن التلقي. وأن أهل الأرض لو كانوا ملائكة لأرسل لهم ملك، وأنهم لو أنزل عليهم بشر لكسي حلة البشرية ولا التلبس عليهم أمره، ولقالوا فيه مثل ما قالوا في المرسلين من البشر.
علمنا هذا بقوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٥].
وبقوله تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ [الأنعام: ٩].
٣ - وعلمنا: أن البشر يؤهل للرسالة باصطفاء الله له، ومن مقتضى ذلك الاصطفاء تطهيره من أول نشأته من أوضار (١) البشرية، وظلم الجسمانية وتسفلها؛ فتبقى روحه على غاية الطهر، والعلوية النورانية مستعدة للاتصال بالملأ الأعلى، حتى تستكمل قواها فيأتيها الملك بالوحي. علمنا هذا بمثل قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾ [الحج: ٧٥].
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾ [ص: ٤٧].
وقوله تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعم: ٢٤]. وغيره كثير.
٤ - وعلمنا: أن الرسل وإن كانوا موافقين لنا في الخلقة البشرية، فإنهم مباينون لنا غاية المباينة في الخلقة النفسية، من حيث الطهر والكمال: