ندامة الظالم على تركه السبيل القويم، وصحبته للمضلِّين
﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (٢٧) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (٢٩)﴾ [الفرقان: ٢٧ و٢٨ و٢٩].
لما سأل المشركون أن يروا الملائكة: أخبروا بأنهم سيرونهم في يوم يكون شره عليهم عظيماً.
وذكر في الآيات السابقة ما يكون في ذلك اليوم من حبوط أعمالهم، وتشقق السماء بالغمام، وتنزل الملائكة وغير ذلك.
وذكر في هذه الآية ما يكون في ذلك القوم من ندم الظالم وسوء حاله.
(الظلم) وضع الشيء في غير موضعه: كوضع الكفر موضع الإيمان، ووضع المعصية موضع الطاعة. وحق الله تعالى أن يؤمن به، ويوحّد، ويطاع، فمن كفر أو أشرك به أو عصاه فقد ظلم، وهو هنا الكافر والمشرك، لأنه الذي لم يتخذ مع الرسول سبيلا.
(الويلة): الهلكة كالويل بمعنى الهلاك. (فلان): يكنى به عن الأعلام كما يكنى بالهن عن الأجناس.
(الخليل): فعيل بمعنى فاعل وهو ما تخللت مودته القلب، وامزجت بالنفس، فكانت له مكانة منهما، وسلطان عليهما. هذا في جانب الخلق، وأما في جانب الله تعالى فبالمعنى الذي يليق بقدسه وتنزيهه، فإبراهيم- عليه السلام- خليل الرحمن بما له عنده تعالى من عظيم المنزلة، ورفعة الشأن، وقبول الدعوة، وما له عليه من جزيل الإنعام.
(الإضلال): الصد والصرف عن طريق الحق والنجاة.
(الذكر): القرآن العظيم، وفسر بالشهادتين، وبالإسلام؛ والقرآن فيه ذلك كله، وهو الذي سيأتي على الأثر، وذكر هجرهم له، ولذلك اخترناه في معنى الذكر هنا.
(الشيطان): الخبيث الشرير الذي استولى عليه، وتمكن منه خلق الإفساد والإضرار من الجن والإنس.
(الخذول): الكثير الخذل، أي التسليم والترك لمن نزل به البلاء في وقت الحاجة إلى إنقاذه.
شأن من وقع في غيظ وحسرة وندامة أن يعض يديه، ويأكل بنانه كأنه لما لم يجد شيئاً يطفي فيه غيظه، رجع على نفسه بذلك: فعض اليد لازم لحالة الحسرة والغيظ والندامة، فلذا يكنى به عنها من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم. وذلك لا يمنع من وجود العض منه حقيقة، بل وقوع ذلك هو الشأن الغالب.