واستقامت سيرته، وغلب الصواب على أقواله وأعماله، ليكون دليلك إلى الخير، وسائقك إليه، مع محافظتك على إرادتك وتمييزك معه على كل حال.
علامة:
إذا أردت أن تعرف شر خلانك، وأحقهم بهجرك له وابتعادك عنه: فانظر فيما يرغبك هو فيه، وما يرغبك عنه.
فإذا وجدته يرغبك عن القرآن، وعما جاء به القرآن فإياك وإياه، فتلك أصدق علامة على خبثه وسوء عاقبة قربه، فابتعد عنه في الدنيا، قبل أن تعض على يديك على صحبتك له في الأخرى.
وإذا وجدته يرغبك في القرآن وما جاء به القرآن، فذلك الخليل الزكي الصادق، فاستمسك به، وحافظ عليه.
وإن خلة أسست على الرجوع إلى القرآن، والتحاب على القرآن، والتناصح بالقرآن؛ لخلة نافعة دنيا وأخرى، لأنها أسست على أساس التقوى.
وقد قال الله تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٦٧].
...
شكوى النبي - ﷺ - وتسليته وتثبيته
﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (٣٠)﴾ [الفرقان: ٣٠].
لما ذكر تعالى ما قاله المشركون من الباطل في معارضة القرآن، والإعراض والصد عنه، وما قالوه من عبارات الحسرة والندامة يوم القيامة، على ما كان منهم من ذلك في الدنيا- ذكر ما قاله النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من الشكوى لربه بهم من تركهم للقرآن العظيم وهجره.
﴿مهجوراً﴾ متروكا مقاطعاً مرفوعاً عنه.
﴿الرسول﴾: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، و (قومه) قريش.
في قوله: ﴿يا رب﴾ إظهار لعظيم التجائه، وشدة اعتماده، وتمام تفويضه لمالكه ومدبر أمره، وموالي الإنعام عليه.
وفي التعبير عنهم بقومه وإضافتهم إليه، وفي التعبير عن القرآن باسم الإشارة القريب؛ بيان لعظيم جرمهم بتركهم للقرآن، وهو قريب منهم في متناولهم، وقد أتاهم به واحد منهم، أقرب الناس إليهم، فصدوا وأبعدوا في الصد عمن هو إليهم قريب من قريب، وهذا أقبح الصد وأظلمه.